للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"فمَن أُقِيم عليه الحدُّ فهو كفَّارتُه". ثم مما يُؤَكِّدُ صحةَ ما قلْنا في ذلك الأخبارُ التي ذكَرْناها عن رسولِ اللَّهِ مِن قولِه: "فمَن تصدَّق بدمٍ (١) ". وما أشْبَه ذلك مِن الأخبارِ التي قد ذكَرْناها قبلُ.

وقد يجوزُ أن يَكونَ القائلون: إنه عنَى بذلك الجارحَ. أرادوا المعنى الذي ذُكِر عن عروةَ بن الزبيرِ، الذي حدَّثني به الحارثُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا ابن سَلَّامٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنى عبدُ اللَّهِ بنُ كثيرٍ، عن مُجاهِدٍ، قال: إذا أصاب رجلٌ رجلًا، ولا يَعْلَمُ المُصابُ مَن أصابه، فاعْتَرَف له المُصيبُ، فهو كفارةٌ للمُصيبِ. قال: وكان مجاهدٌ يقولُ عندَ هذا: أصاب عُروةُ بنُ الزبيرِ عينَ إنسانٍ عندَ الرُّكْنِ فيما يَسْتَلِمون، فقال له: يا هذا، أنا عروةُ بنُ الزبيرِ، فإن كان بعينِك بأسٌ فأنا بها.

وإذا كان الأمرُ مِن الجارحِ على نحوِ ما كان من عروةً مِن خطأِ فعلٍ على غيرِ عمْدٍ، ثم اعْتَرَف للذى أصابه بما أصابه، فعفا له المصابُ بذلك عن حقِّه قِبَلَه، فلا تَبِعةَ له حينئذٍ قِبَلَ المُصيبِ في الدنيا ولا في الآخِرةِ؛ لأن الذي كان وجب له قِبَلَه مالٌ لا قِصاصٌ، وقد أبْرَأه منه، فإبْراؤه منه كفَّارةٌ [له مِن] (٢) حقِّه الذي كان له أخْذُه به، فلا طَلِبَةَ له بسببِ ذلك قِبَلَه في الدنيا ولا في الآخرةِ، ولا عقوبةَ تُلْزِمه بها بما كان منه إلى مَن أصابه؛ لأنه لم يَتَعَمَّدْ إصابتَه بما أصابه به فيَكونَ بفعلِه آثمًا (٣) يَسْتَحِقُّ به العقوبةَ مِن ربِّه؛ لأن اللَّهَ ﷿ قد وضَع الجُناحَ عن عباده فيما أخْطَئوا فيه ولم


(١) في النسخ: "به". والمثبت هو الصواب، وهو جزء من حديث تقدم في الصفحة السابقة.
(٢) في ت ١، ت ٢، ت: "ليميز أمر". وفي س: "لتميز أمر"، وغير منقوطة في ص، ولعل صواب قراءتها: "للمبرّأ من" كما أثبته الشيخ شاكر.
(٣) في م، ت ١: "إنما".