للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن ذنبِه الذي ركِبه.

فإن قال قائلٌ: أو ليس للمَجْروحِ عندك آخُذُ جارحِه بدية جُرْحِه مكانَ القِصاصِ؟

قيل له: بلى.

فإن قال: أفَرَأَيْتَ لو اختار الدية ثم عفا عنها، لكانت (١) له قِبَلَه في الآخرةِ تَبِعةٌ؟

قيل له: هذا كلامٌ عندَنا مُحالٌ؛ وذلك أنه لا يَكونُ عندنا مُختارًا (٢) الديةَ إلا وهو لها آخِدٌ، فأما العفوُ فإنما هو عفوٌ عن الدمِ - وقد دلَّلْنا على صحةِ ذلك في موضعٍ غيرِ هذا بما أغْنَى عن تكريره في هذا الموضعِ (٣) - إلا أن يَكون مُرادًا بذلك هِبتُها لمَن أُخِذَت منه بعد الأخْذِ، مع أن عفوَه عن الديةِ بعدَ اختيارِه إياها لو صحَّ لم يَكُنْ في صحةِ ذلك ما يُوجِبُ أن يَكونَ المَعْفُوُّ له عنها بريئًا مِن عقوبةِ ذنبِه عندَ اللَّهِ؛ لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه أوْعَد قاتلَ المؤمنِ بما أوْ عَدَه به إن لم يَتُبْ مِن ذنبِه، والديةُ مأخوذةٌ، منه، أحَبَّ أم سَخِط، والتوبةُ مِن التائبِ إنما تكونُ توبةً إِذا اخْتارَها وأرادَها وآثَرَها على الإصْرارِ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك وإن كان كذلك، فقد يَجِبُ أن يكونَ له كفارةً، كما كان (٤) القِصاصُ له (٥) كفَّارةً، فإنَّا إنما جعَلْنَا القِصاص له كفَّارةً مع ندمه وبَذْلِه نفسَه لأخْذِ الحقِّ منها، تَنَصُّلًا مِن ذنبِه، بخبرِ النبيِّ ، فأما الديةُ إذا اختارَها المَجْروحُ ثم عفا عنها، فلم يُقْضَ عليه بحدِّ ذنبِه فيكونَ ممَّن دخَل في حكمِ النبيِّ وقولِه:


(١) في م: "أكانت".
(٢) في م: "مختار".
(٣) ينظر ما تقدم في ٣/ ٩٣ - ١٢٠.
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "جاز".
(٥) سقط من: م.