للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُرِح، فكان كفَّارةً له مِن ظُلْمِه الذي ظلَم (١).

وأولى القولين في ذلك عندى بالصواب قولُ مَن قال: عنَى به ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ المجروحَ، فلأن تكونَ الهاءُ في قولِه: ﴿لَهُ﴾. عائدةٌ على "مَن" أَوْلَى مِن أن تكونَ مِن ذكرِ مَن لم يَجْرِ له ذكرٌ إلا بالمعنى دونَ التصريحِ، وأحْرَى، إذ الصدقةُ هي المُكَفِّرةُ ذنبَ صاحبِها دونَ المُتَصَدَّقِ عليه في سائرِ الصدَقاتِ غيرِ هذه، فالواجبُ أن يَكونَ سبيلُ هذه سبيلَ غيرِها مِن الصدَقاتِ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن القِصاصَ إذ كان يُكَفَّرُ ذنبَ صاحبِه المُقْتَصِّ منه الذي أتاه في قتل من قتله ظلمًا - كقول النبيِّ إذ أخذ البَيْعةَ على أصحابِه: "ألا تَقْتُلوا، ولا تَزْنوا، ولا تَسْرِقوا". ثم قال: "فمَن فعَل مِن ذلك شيئًا، فأُقِيم عليه حَدُّه، فهو كفَّارتُه" (٢) - فالواجبُ أن يَكونَ عفْوُ العافى المَجْنيِّ عليه أو وليِّ المقتولِ عنه نظيرَه في أن ذلك له كفارةٌ، فإن ذلك لو وجَب أن يكونَ كذلك، لَوجَب أن يَكونَ عفوُ المقْذوفِ عن قاذفِه بالزِّنى، وتركُه أخْذَه بالواجبِ له مِن الحدِّ - وقد قذَفه قاذفُه، وهو عَفيفٌ مسلمٌ مُحْصَنٌ - كفَّارةً للقاذفِ مِن ذنبِه الذي ركِبه، ومعصيتِه التي أتاها، وذلك ما لا نَعْلَمُ قائلًا مِن أهلِ العلمِ يَقولُه.

فإذ كان غيرَ جائزٍ أن يكونَ تركُ المقذوفِ، الذي وصَفْنا أمرَه، أَخْذَ قاذفه بالواجب له من الحدِّ كفَّارةً للقاذفِ مِن ذنبِه الذي ركِبه، كان كذلك غيرَ جائزٍ أن يكونَ تركُ المجروحِ أخْذَ الجارحِ بحقِّه مِن القِصاصِ كفَّارةً للجارحِ


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٨٩ إلى المصنف.
(٢) أخرجه البخارى (١٨، ٣٨٩٢، ٦٧٨٤، ٦٨٠١، ٧٢١٣، ٧٤٦٨)، ومسلم (٤٤/ ١٧٠٩) من حديث عبادة بن الصامت.