للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يَزِدْهم على التخويف، فقال أُناسٌ من أصحاب رسول الله كانوا عشرةً، منهم عليُّ بن أبى طالبٍ وعثمانُ بن مظعونٍ: ما خِفْنا (١) إن لم نُحْدِثُ عملًا، فإن النصارى قد حرَّموا على أنفسهم فنحن نُحرِّمُ. فحرَّم بعضُهم أكل اللحم والوَدَكِ (٢)، وأن يأكل بالنهار، وحرَّم بعضُهم النوم، وحرَّم بعضُهم النساء، فكان عثمانُ بنُ مظعونٍ ممن حرَّم النساء، وكان لا يَدْنو من أهله، ولا يَدْنون منه، فأتت امرأتُه عائشة - وكان يقالُ لها: الحولاءُ - فقالت لها عائشةُ ومَن عندها من نساءِ النبيِّ : ما بالُك يا حولاءُ مُتغيرة اللون لا تَمتَشِطين ولا تطيَّبينَ؟! فقالت: وكيف أتطيَّبُ وأمتَشِطُ وما وقَع عليَّ زوجى، ولا رفع عنى ثوبًا منذ كذا وكذا! فَجَعَلْن يَضْحَكُن من كلامِها، فدخل رسول الله وهنَّ يَضْحَكُنَ، فقال: "ما يُضحِكُكن؟ ". قالت: يا رسولَ اللهِ، الحولاء سأَلْتُها عن أمرِها، فقالت: ما رفع عنى زوجى ثوبًا منذ كذا وكذا. فأرسل إليه فدعاه، فقال: "ما بالك يا عثمان؟ ". قال: إنى تركته لله لكى أتَخلَّى للعبادة. وقصَّ عليه أمره، وكان عثمان قد أراد أن يَجُبَّ نفسه، فقال رسولُ الله : "أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا رَجَعْتَ فَوَاقَعْتَ أَهْلَكَ". فقال: يا رسول الله، إنى صائمٌ. قال: "أفطِرْ". فأفطر وأتَى أهلَه، فرجعت الحولاءُ إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتَطَيَّبت، فضحِكت عائشةُ، فقالت: ما بالُكِ يا حولاءُ! فقالت: إنه أتاها أمس. فقال رسولُ اللهِ : "ما بال أقوامٍ حَرَّمُوا النساء والطعام والنوم! ألا إنى أنام وأقومُ، وأُفْطِرُ وأَصُومُ، وأنْكِحُ النِّسَاءَ، فمن رَغِبَ [عَنْ سُنَّتى] (٣) فليس منِّى"، فنزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا


(١) في ص، س: "حصا" غير منقوطة، وفى م، ت ١، ت:٢ "حقنا". ومعنى العبارة: ما خفنا الله حق الخوف إن لم نحدث عملًا يدل على ذلك.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢ س: "الورك" والوَدَك: الدسم، أو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه. الوسيط (و د ك).
(٣) في ص: "عنى".