للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك من قيلِهم في كلِّ ما رُزقوا من ثمرِها، فلا شكَّ أن ذلك من قيلِهم في أولِ رزقٍ رُزقوه من ثمارِها، وأُتوا به بعدَ دخولِهم الجنةَ واستقرارِهم فيها، الذي لَمْ يتقدَّمْه عندَهم من ثمارِها ثمرةُ.

فإذ كان لا شكَّ أن ذلك من قيلِهم في أولِه، كما هو من قيلِهم في أوسَطِه وما يتلوه، فمعلْومٌ أنه مُحالٌ أن يكونَ من قيلِهم لأولِ رزقٍ رُزقوه من ثمارِ الجَنَّةِ: هذا الذي رُزِقنا من قبلِ هذا من ثمارِ الجَنَّةِ. وكيف يجوزُ أن يقولوا لأولِ رزقٍ رُزقوه من ثمارِها ولمَّا يتقدَّمْه عندَهم غيرُه منها: هذا الذي رُزقناه من قبلُ؟ إلَّا أن ينسِبَهم ذو عَتَهٍ (١) وضلالٍ إلى قيلِ الكذبِ الذي قد طهَّرهم اللهُ منه، أو يدفَعَ دافعٌ أن يكونَ ذلك مِن قيلِهم لأولِ رزقٍ يُرزقونه منها من ثمارِها، فيَدفَعَ صحةَ ما أَوْجَب اللهُ صحّتَه بقولِه: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا﴾ من غيرِ نَصْبِ دَلالةٍ على أنه مَعنيُّ به حالٌ من أحوالِهم دونَ حالٍ. فقد تبيَّن بما بيَّنا أن معنى الآيةِ: كلما رُزِقَ الذين آمنوا وعمِلوا الصالحاتِ مِن ثمرةٍ من ثمارِ الجَنَّةِ في الجَنَّةِ رزقًا، قالوا: هذا الذي رُزِقنا من قبلِ هذا في الدنيا.

فإن سأَلنا سائلٌ فقال (٢): وكيف قال القومُ؛ هذا الذي رُزِقنا من قبلُ. والذي رُزِقوه من قبلُ قد عُدِم بأكلِهم إيَّاه؟ وكيف يجوزُ أن يقولَ أهلُ الجَنَّةِ قولًا لا حقيقةَ له؟

قيل: إن الأمرَ على غيرِ ما ذهبتَ إليه في ذلك، وإنما معناه: هذا مِن النوعِ الذي رُزِقناه من قبلِ هذا من الثمارِ والرزقِ، كالرجلِ يقولُ لآخرَ: قد أعدَّ لك فلانٌ


(١) في م: "غرة".
(٢) سقط من: الأصل.