للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثلُ ما قتَل من النَّعَمِ) (١).

وقد اختلفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأته عامَّةُ قرأَةِ المدينةِ وبعضُ البصريِّين: (فجزاءُ مثل ما قتَل من النَّعَمِ) (٢). بإضافةِ الجزاءِ إلى المثلِ، وخفضِ المثلِ.

وقرأ ذلك عامَّةُ قرأةِ الكوفيين: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ﴾ (٣). بتنوينِ الجزاءِ ورفعِ المثل بتأويلِ: فعليه جزاءٌ مثلُ ما قتَل.

وأولى القراءتين في ذلك بالصوابِ (٤) قراءة من قرَأَ: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ﴾. بتنوينِ الجزاءِ ورفعِ المثلِ؛ لأن الجزاءَ هو المثلُ، فلا وجهَ لإضافةِ الشيءِ إلى نفسِه.

وأحسَبُ أن الذين قرءوا ذلك بالإضافةِ، رأوا أن الواجبَ على قاتلِ الصيدِ أن يَجْزِيَ مثلَه من الصيدِ بمثلٍ من النَّعم. وليس ذلك (٥) كالذي ذهبوا إليه، بل الواجبُ على قاتلِه أن يَجْزِيَ المقتولَ نظيرَه من النَّعمِ. وإذ كان ذلك كذلك، فالمثلُ هو الجزاءُ الذي أَوْجَبه اللهُ تعالى على قاتلِ الصيدِ، ولن (٦) يضافُ الشيءُ إلى نفسِه. ولذلك لم يقرأْ ذلك قارئٌ علِمناه بالتنوينِ ونصبِ "المثلِ" (٧). ولو كان المثلُ غيرَ الجزاءِ لجاز في المثلِ النصبُ إذا نُوِّن الجزاءُ، كما نُصِب اليتيمُ، إذ كان غيرَ الإطعامِ في قولِه: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٤، ١٥]. وكما نُصِب الأمواتُ والأحياءُ ونُوِّن الكِفاتُ في قولِه: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ١٨٤ عن المصنف، والقراءة شاذة لم ترد عن أحد من القراء العشرة، وهى مخالفة لرسم المصحف، وينظر البحر المحيط ٤/ ١٩.
(٢) وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص ٢٤٧.
(٣) وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي. المصدر السابق ص ٢٤٨.
(٤) القراءتان متواترتان، وكلتاهما صواب.
(٥) في م: "كذلك".
(٦) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣ س: "فإن"، واستظهر الشيخ شاكر أن تكون: "لا".
(٧) بل قد قرأ ذلك كذلك أبو عبد الرحمن السلمي، كما ذكره ابن جني في المحتسب ١/ ٢١٨، وأبو حيان في البحر المحيط ٤/ ١٩.