للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: وأَوْلَى هذه التأويلاتِ بتأويلِ الآيةِ تأويلُ مَن قال: وأتوا به متشابهًا في اللونِ والمنظرِ، والطعمُ مختلِفٌ. يعني بذلك اشتباهَ ثمرِ الجَنَّةِ وثمرِ الدنيا في المنظرِ واللونِ، مختلفًا في الطعمِ والذوقِ، لِماَ قَدَّمنا من العلَّةِ في تأويلِ قولِه: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾. وأن معناه: كلما رُزقوا مِن الجنِانِ مِن ثمرةٍ مِن ثمارِها رِزقًا قالوا: هذا الذي رُزِقنا مِن قبلِ هذا في الدنيا. فأَخْبَر اللهُ جلَّ ثناؤُه عنهم أنهم قالوا ذلك مِن أجلِ أنهم أتُوا بما أتُوا به مِن ذلك في الجَنَّةِ مُتشابهًا، يعني بذلك تشابُه ما أُتُوا به منه في الجَنَّةِ والذي كانوا رُزِقوه في الدنيا، في اللونِ والمَرْآةِ والمنظرِ، وإن اختلفا في الطعمِ والذوقِ فتباينا، فلم يكنْ لشيْءٍ مما في الجَنَّةِ من ذلك في الدنيا نظيرٌ.

وقد دلَّلنا على فسادِ قولِ مَن زعَم أن معنى قولِه: ﴿قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾. إنما هو من قولِ أهلِ الجَنَّةِ في تشبيهِهم بعضَ ثمرِ الجَنَّةِ ببعضٍ، وتلك الدَّلالةُ على فسادِ ذلك القولِ هي الدَّلالةُ على فسادِ قولِ مَن خالَف قولَنا في تأويلِ قولِه: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾. لأَن اللهَ جلَّ ثناؤُه إنما أَخْبَر عن المعنى الذي مِن أجلِه قال القومُ: ﴿هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾. بقولِه: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾.

ويُسألُ مَن أَنْكَر ذلك فزعَم أنه غيرُ جائزٍ أن يكونَ شيْءٌ مما في الجَنَّةِ نطرًا لشيْءٍ مما في الدنيا بوجهٍ مِن الوجوهِ، فيقالُ له: أيجوزُ أن تكونَ أسماءُ ما في الجَنَّةِ من ثمارِها وأطعمتِها وأشربتِها نظائرَ أسماءِ ما في الدنيا منها؟

فإن أَنْكَر ذلك خالَف نصَّ كتابِ اللهِ؛ لأن اللهَ إنما عرَّف عبادَه في الدنيا ما هو عتيدٌ (١) في (٢) الجَنَّةِ بالأسماءِ التي يُسمَّى بها ما في الدنيا مِن ذلك.


(١) في ص، م: "عنده". والعتيد: الحاضر المهيّأ. التاج (ع ت د).
(٢) في ر: "فيها".