وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ عندَنا قولُ من قال: معناه: ومن عاد في الإسلامِ لقتلِه بعدَ نهى اللهِ تعالى ذِكرُه عنه، فينتقمُ اللَّهُ منه، وعليه مع ذلك الكفَّارةُ؛ لأن الله ﷿ إذ أَخْبَر أنه ينتقمُ منه، لم يُخْبِرْنا - وقد أَوْجَب عليه في قتِله الصيدَ عمدًا ما أَوْجَب من الجزاءِ أو الكفَّارةِ بقولِه: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ - أنه قد أزال عنه الكفَّارةَ في المرةِ الثانيةِ والثالثةِ، بل أَعْلَم عبادَه ما أَوْجَب من الحكمِ على قاتلِ الصيدِ من المُحْرِمين عمدًا، ثم أَخْبَر أنه منتقمٌ ممن عاد، ولم يقلْ: ولا كفَّارةَ عليه في الدنيا.
فإن ظنَّ ظانٌّ أن الكفَّارةَ مزيلةٌ العقابَ، ولو كانت الكفَّارةُ لازمةً له في الدنيا، لبطَل العقابُ في الآخرةِ، فقد ظنَّ خطأً؛ وذلك أن للَّهِ ﷿ أن يُخالِفَ بينَ عقوباتِ معاصيه بما شاء وأحبَّ، فيزيدَ في عقوبتِه على بعضِ معاصيه مما يَنقُصُ من بعضٍ، ويَنقُصَ من بعضٍ مما يزيدُ في بعضٍ، كالذي فعَل من ذلك في مخالفتِه بينَ عقوبتِه الزانىَ البكرَ والزانىَ الثيِّبَ المُحْصَنَ، وبينَ سارقِ ربع دينارٍ، وبينَ سارقِ أقلَّ من ذلك، فكذلك خالَف بينَ عقوبتِه قاتلَ الصيدِ من المُحْرمِين عمدًا ابتداءً، وبينَ عقوبتِه عَوْدًا بعدَ بَدْءٍ، فَأَوْجَب على البادئ المِثلَ من النَّعمِ، أو الكفَّارةَ بالإطعامِ، أو العَدْلَ من الصيامِ، وجعَل ذلك عقوبةَ جُرْمِه بقولِه: ﴿لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾. وجعَل على العائدِ بعدَ البَدْءِ، وزاده من عقوبتِه ما أَخْبَر عبادَه أنه فاعلٌ به من الانتقام، تغليظًا منه ﷿ للعودِ بعدَ البَدْءِ، ولو كانت عقوباتُه على الأشياءِ مُتَّفِقةً، لوجَب ألا يكونَ حدٌّ في شيءٍ مخالفًا حدًّا في غيرِه، ولا عقابٌ في الآخرةِ أغلظَ من عقابٍ،
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ١٢١٠) (٦٨٢٣) من طريق المعتمر، عن زيد، عن الحسن، وذكره ابن كثير في تفسيره (٣/ ١٨٨) عن ابن أبي حاتم، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٣٣١) إلى المصنف وابن أبي حاتم من قول الحسن.