وقد زعَم بعضُ الزاعمين أن معنى ذلك: ومن عاد في الإسلامِ بعدَ نهى اللهِ ﷿ عن قتلِه، لقتلِه، بالمعنى الذي كان القومُ يقتُلونه في جاهليتِهم، فعفا لهم عنه عندَ تحريمِ قتلِه عليهم، وذلك قتلُه على استحلالِ قتلِه. قال: فأما إذا قتَله على غيرِ ذلك الوجهِ؛ وذلك أن يقتُلَه على وجهِ الفسوقِ لا على وجهِ الاستحلالِ، فعليه الجزاءُ والكفَّارةُ كلَّما عاد.
وهذا قولٌ لا نعلَمُ قائلًا قاله من أهلِ التأويلِ، وكفى خطأً بقولِه خروجُه عن أقوالِ أهلِ العلمِ، لو لم يكنْ على خطئِه دلالةٌ سواه، فكيف وظاهرُ التنزيلِ يُنْبِئُ عن فسادِه! وذلك أن الله ﷿ عمَّ بقولِه: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ كلَّ عائدٍ لقتلِ الصيدِ بالمعنى الذي تقدَّم النهيُ منه به في أولِ الآيةِ، ولم يَخُصَّ به عائدًا منهم دونَ عائدٍ، فمن ادَّعى في التنزيلِ ما ليس في ظاهرِه، كُلِّف البرهانَ على دَعْوَاه من الوجهَ الذي يجبُ التسليمُ له.
وأما من زعَم أن معنى ذلك: ومن عاد في قتلِه متعمِّدًا بعدَ بَدْءٍ لقتلٍ تقدَّم منه في حالِ إحرامِه، فينتقمُ اللَّهُ منه. كان (١) معني قولِه: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾. إنما هو: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ من ذنبِه بقتلِه الصيدَ بدءًا. فإن في قول الله تعالى ذكرُه: ﴿لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾. دليلًا واضحًا على أن القولَ في ذلك غيرُ ما قال؛ لأن العفوَ عن الجُرْمِ تركُ المؤاخذةِ به، ومن أُذِيق وبالَ جُرْمِه، فقد عُوقب به، وغيرُ جائزٍ أن يقالَ لمن عُوقب: قد عُفِى عنه. وخبرُ اللهِ ﷿ أصدقُ من أن يقعَ فيه تناقضٌ.
فإن قال قائلٌ: وما تنكرُ أن يكونَ قاتلُ الصيدِ من المحرمين في أولِ مرةٍ قد أُذِيق وبالَ أمرِه بما أُلْزِم من الجزاءِ والكفَّارةِ، وعُفِى له من العقوبةِ بأكثرَ من ذلك مما كان