للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما بعوضةً فما فوقها، عقيبَ أمثالٍ قد تَقَدَّمَت في هذه السورةِ ضرَبها للمنافقِين دونَ الأمثالِ التي ضرَبها في سائرِ السور غيرِها - فلأنْ (١) يكونَ هذا القولُ، أعني قولَه: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا﴾. جوابًا لنكيرِ الكفارِ والمنافقين ما ضرَب اللهُ لهم مِن الأمثالِ في هذه السورةِ، أحقُّ وأولى من أن يكَونَ ذلك جوابًا لنكيرِهم ما ضرَب اللهُ لهم من الأمثالِ في غيرِها من السورِ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أنه إنما وجَب أن يكونَ ذلك جوابًا لنكيرِهم ما ضرَب من الأمثالِ في سائرِ السُّورِ؛ لأنَّ الأمثالَ التي ضرَبها اللهُ لهم ولآلهتِم في سائرِ السورِ أمثالٌ في مُوافقةِ المعنى لما أَخبَر اللهُ عنه أنه لا يستحيي أن يضربَه مثلًا؛ إذ كان بعضُها تمثيلًا لآلهتِهم بالعنكبوتِ، وبعضُها تشبيهًا لها في الضعفِ والمهانةِ بالذبابِ، وليس ذكرُ شيْءٍ من ذلك بموجودٍ في هذه السورةِ فيجوزَ أن يقالَ: إن اللهَ لا يستحيي أن [يضربَه مثلًا] (٢). فإن ذلك بخلافِ ما ظنَّ، وذلك أن قولَ اللهِ جلَّ ثناؤه: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ إنما هو خبرٌ منه جلَّ ذِكْرُه أنه لا يستحيي أن يضربَ في الحقِّ من االأمثالِ صغيرِها وكبيرِها ابتلاءً بذلك عبادَه، واختبارًا (٣) منه لهم، ليَميزَ به أهلَ الإيمانِ والتصديقِ به من أهلِ الضلالةِ والكفرِ به، إضلالًا منه به لقومٍ وهدايةً منه به لآخرين.

كما حدَّثَنِي محمدُ بنُ عمرِو، قال: حَدَّثَنَا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿مَثَلًا مَا بَعُوضَةً﴾: يعني الأمثالَ صغيرَها وكبيرَها، يؤمنُ بها المؤمنون، ويعلَمون أنَّها الحقُّ مِن ربِّهم، ويهديهم اللهُ بها،


(١) في ص: "فلا".
(٢) في م: "يضرب مثلا ما".
(٣) في ص: "إخبارا"، وفي ر: "اختيارا".