للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَدَّثَنَا المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا إسحاقُ بنُ الحجاجِ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بنِ أنسٍ بنحوِه، إلّا أنه قال: فإذا خلت آجالُهم، وانْقَطَعت مُدَّتُهم، صاروا كالبعوضةِ تحيا ما جاعت وتموتُ إذا رَوِيت، فكذلك هؤلاءِ الذين ضرَب اللهُ لهم هذا المثلَ، إذا امتلَئوا مِن الدنيا رِيًّا أخذَهم اللهُ فأهلَكهم، فذلك قولُه: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤].

وقال آخرون بما حَدَّثَنَا به بشرٌ، قال: حَدَّثَنَا يزيدُ بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ أي: إن اللهَ لا يستحيي من الحقِّ أن يَذْكُرَ منه شيئًا ما، قَلَّ منه أو كثُرَ، إن اللهَ جل ذكره لما ذكَر في كتابِه الذبابَ والعنكبوتَ، قال أهلُ الضلالةِ: ما أراد اللهُ من ذِكْرِ هذا؟ فأنزَل اللهُ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ (١).

وحَدَّثَنَا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزَّاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ، قال: لمّا ذكَر اللهُ العنكبوتَ والذبابَ، قال المشركون: ما بالُ العنكبوتِ والذبابِ يُذْكَران؟ فأنزَل اللهُ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ (٢).

قال أبو جعفرٍ: وقد ذهَب كلُّ قائلٍ ممن ذَكَرْنا قولَه في هذه الآيةِ وفي المعنى الذي أُنزلت فيه مذهبًا، غيرَ أن أوْلى ذلك بالصوابِ وأشبهَه بالحقِّ ما ذَكَرْنا مِن قولِ ابنِ مسعودٍ وابنِ عباسٍ، وذلك أنْ اللهَ أخبرَ عبادَه أنه لا يستحيي أن يَضْرِبَ مثلًا


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٩٢ عن سعيد به.
(٢) تفسير عبد الرزاق - كما في الدر المنثور ١/ ١٤ - وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير ١/ ٦٩ (٢٧٣) عن الحسن بن يحيى به. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
وقال ابن كثير في تفسيره ١/ ٩٢: والعبارة الأولى - يعني رواية معمر عن قتادة - فيها إشعار أن هذه الآية مكية، وليس كذلك، وعبارة رواية سعيد عن قتادة أقرب، والله أعلم.