للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عكرمةَ وعَبيدةَ وعِدَّةٍ غيرِهما.

واخْتَلفوا في صفةِ الاثنين اللذين ذكَرهما اللهُ في هذه الآيةِ؛ ما هي؟ وما هما؟ فقال بعضُهم: هما شاهدان يشهَدان على وصيةِ المُوصِى.

وقال آخرون: هما وَصِيَّان.

وتأويلُ الذين زعَموا أنهما شاهدان قولَه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾: ليشهَدْ شاهدان ذوا عدلٍ منكم على وصيَّتِكم.

وتأويلُ الذين قالوا: هما وَصِيَّان لا شاهدان قولَه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾: بمعنى الحضورِ والشهودِ لما يُوصيهما به المريضُ. من قولِك: شهِدتُ وصيةَ فلانٍ، بمعنى: حضَرتُه.

وأَوْلَى التأويلين بقولِه: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾. تأويلُ من تأوَّله بمعنى أنهما من أهلِ الملةِ، دونَ مَن تأوَّله أنهما من حيِّ المُوصِى.

وإنما قلنا: ذلك أَوْلَى التأويلين بالآيةِ؛ لأن الله تعالى ذكرُه عمَّ المؤمنين بخطابِهم بذلك في قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾. فغيُر جائزٍ أن يُصْرَفَ مَا عَمَّه اللَّهُ تعالى ذكرُه إلى الخصوصِ إلا بحجةٍ يجبُ التسليمُ لها. وإذ كان ذلك كذلك، فالواجبُ أن يكونَ العائدُ من ذكِرهم (١) على العمومِ، كما كان ذكرُهم ابتداءً على العمومِ.

وأَولَى المعنيين بقولِه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾. [اليمينُ لا] (٢) الشهادةُ التي يقومُ بها مَن عندَه شهادةٌ لغيرِه، لمن هي عندَه، على مَن هي عليه عندَ الحُكّام؛ لأنا لا نعلَمُ للهِ


(١) في ص، ت ١: "ذكره".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لأن". وينظر تفسير القرطبي ٦/ ٣٤٨.