للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إحصاؤُه. وعلى هذا الوجهِ أَوْجَب اللهُ تعالى في هذا الموضعِ اليمينَ على المُدَّعِيَيْن اللذين عَثَرا على [الخائنيِن فيما خانا] (١) فيه.

واخْتَلف أهلُ العربيةِ في الرافعِ قولَه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾. وقولَه: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: معنى قولِه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾: شهادةُ اثنين ذَوَىْ عَدْلٍ. ثم أُلْقِيت "الشهادةُ"، وأُقِيم "الاثنانِ" ومقامَها، فارتفعا بما كانت "الشهادةُ" به مرتفعةً لو جُعِلت في الكلامِ. قال: وذلك - في حذفِ ما حُذِف منه، وإقامةِ ما أُقِيم مُقامَ المحذوفِ - نظيرُ قولِه: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]. وإنما يريدُ: واسألْ أهلَ القريةِ. وانْتَصَبت "القريةُ" بانتصابِ "الأهلِ"، وقامت مَقامَه. ثم عُطِف قولُه: ﴿أَوْ آخَرَانِ﴾ على "الاثنين".

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: رفعُ "الاثنين" بـ "الشهادةِ". أي: ليشهَدْكم اثنانِ من المسلمين أو آخَران من غيرِكم.

وقال آخَرُ منهم: رُفِعت "الشهادةُ" بـ ﴿إِذَا حَضَرَ﴾. وقال: إنما رُفِعت بذلك لأنه قال: ﴿إِذَا حَضَرَ﴾. فجعَلها شهادةً محذوفةً مستأنفةً، ليست بالشهادةِ التي قد رُفِعت لكلِّ الخلقِ؛ لأنه قال تعالى ذكرُه: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾. وهذه شهادةٌ لا تقعُ إلا في هذه الحالِ، وليست مما يثبتُ.

وأَوْلَى هذه الأقوالِ في ذلك عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: "الشهادةُ" مرفوعةٌ بقولِه: ﴿إِذَا حَضَرَ﴾؛ لأن قولَه: ﴿إِذَا حَضَرَ﴾. بمعنى: عندَ حضورِ أحدِكم الموتُ، و "الاثنان" مرفوعٌ بالمعنى المتوهَّمِ، وهو: أن يشْهَدَ اثنان. فاكْتُفِىَ من قيل: أن يشهَدَ. بما قد جرَى من ذكرِ "الشهادةِ" في قولِه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾.


(١) في ص: "الحانبين فيما جناهما"، وفى م: "الحانبين فيما جنيا"، وفى ت ١، ت ٢، ت ٣: "الجانيين فيما حباهما". والصواب ما أثبتنا.