للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودفَع إلينا. قال لهما أهلُه: فباع شيئًا، أو ابْتاعَه؟ قالا: لا. قالوا: فهل اسْتَهْلَك (١) مِن متاعِه شيئًا؟ قالا: لا. قالوا: فهل تجَر تجارةً؟ قالا: لا. قالوا: فإنا قد فقَدْنا بعضَه. فأتُّهما، فرفُعوهما إلى رسولِ اللهِ ، فنزلَت هذه الآيةُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾. إلى قولِه: ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾. قال: فأَمَر رسولُ اللهِ أن يَسْتَحْلِفوهما في دُبُرِ صلاةِ العصرِ باللهِ الذي لا إلهَ إلا هو: ما قبَضْنا له غيرَ هذا، ولا كتَمْنا. قال: فمكَثا (٢) ما شاء اللهُ أن يَمْكُثا، ثم ظُهِر معَهما على إناءٍ مِن فضةٍ مَنْقوشٍ مُموَّهٍ بذهبٍ، فقال أهلُه: هذا مِن متاعِه؟ قالا: نعم، ولكنا اشْتَرَيْناه منه، ونسِينا أن نذْكُرَه حينَ حلَفْنا، فكرِهْنا أن نُكَذِّبَ أنفسَنا. فتَرافَعوا إلى رسولِ اللهِ ، فنزَلتِ (٣) الآيةُ الأخرى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾. فأمَر رسولُ اللهِ رجلين مِن أهلِ الميتِ أن يَحْلِفا على ما كتَما، وغيَّبا، ويَسْتَحِقَّانه. ثم إن تميمًا الداريَّ أَسْلَم وبايَع النبيَّ ، وكان يقولُ: صدَق اللهُ ورسولُه، أنا أخَذْتُ الإناءَ (٤).

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ الآية كلّها. قال: هذا شيءٌ حينَ لم يَكُنِ الإسلامُ إلا بالمدينةِ، وكانت الأرضُ كلُّها كفرًا (٥)، فقال الله تعالى ذكرُه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾: مِن


(١) استهلك المال: أنفقه وأنفده وأهلكه. اللسان (هـ ل ك)، وقال الشيخ شاكر: أي: أضاعه وافتقده، وهذا حرف لم تقيده كتب اللغة، استظهرت معناه من السياق.
(٢) في م: "فمكثنا".
(٣) سقط من: ص.
(٤) أخرجه أبو عبيد في ناسخه ص ٢١٠ - ٢١٢ عن الحجاج عن ابن جريج عن عكرمة - وحده - به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٤٢ إلى المصنف وابن المنذر.
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "كفر".