للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ يقولُ: فقال هؤلاء المشركون بربِّهم إذ حُبِسوا في النارِ: يا ليتَنا نُرَدُّ إلى الدنيا حتى نَتوبَ ونُراجِعَ طاعةَ اللَّهِ، ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾. يقولُ: ولا نُكَذِّبَ بِحُجَجِ ربنا ولا نَجْحَدَها، ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. يقولُ: ونَكونَ مِن المُصَدِّقين باللهِ وحُجَجه ورسلِه، مُتَّبعى أمرِه ونهيِه.

واخْتَلَفَت القَرَأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه عامةُ قرأةِ الحجازِ والمدينةِ والعراقَيْن (١): (يا ليتنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبُ بآياتِ ربِّنا ونكونُ مِن المؤمِنين) (٢). بمعنى: يا ليتنا نُرَدُّ، ولسنا نُكَذِّبُ بآياتِ ربِّنا، ولكُنَّا (٣) نكونُ مِن المؤمنين.

وقرَأ ذلك بعضُ قرأةِ الكوفةِ: ﴿يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. بمعنى: يا ليتَنا نُرَدُّ، وأن لا نُكَذِّب بآياتِ ربِّنا، ونكونَ مِن المؤمنين (٤).

وتأوَّلوا في ذلك شيئًا حدَّثَنِيه أحمدُ بنُ يُوسُفَ، قال: ثنا القاسمُ بنُ سَلَّامٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن هارونَ، قال: في حرفِ ابن مسعودٍ: (يا ليتنا نُرَدُّ فلا نُكَذِّبَ). بالفاءِ (٥).

وذُكِر عن بعضِ قرأةِ أهلِ الشامِ أنه قرَأ ذلك: (يا ليتنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبُ) بالرفعِ (ونكونَ) (٦) بالنصبِ. كأنه وجَّه تأويلَه إلى أنهم تمَنَّوُا الردَّ، وأن يكونوا مِن المؤمنين، وأخْبَرُوا أنهم لا يُكَذِّبون بآياتِ ربِّهم إن رُدُّوا إلى الدنيا.


(١) في النسخ: "العراقيين". والعراقان هما البصرة والكوفة. وينظر ما سيأتي في ص ٢١٩.
(٢) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر. السبعة لابن مجاهد ص ٢٥٥.
(٣) في م: "لكن".
(٤) وهى قراءة حمزة وعاصم في رواية حفص، ورواية ابن ذكوان عن ابن عامر. المصدر السابق.
(٥) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٩ إلى المصنف وأبي عبيد، والقراءة شاذة.
(٦) وهى رواية هشام بن عمار عن ابن عامر. ينظر السبعة ص ٢٥٥.