للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختَلَف أهلُ العربية في معنى ذلك منصوبًا ومرفوعًا؛ فقال بعضُ نحويي البصرةِ: ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ نصبٌ لأنه جوابٌ للتمنى، وما بعدَ الواوِ كما بعدَ الفاءِ. قال: وإن شئتَ رفعتَ، وجعلتَه على غيرِ التمني، كأنهم قالوا: ولا نُكَذِّبُ واللهِ بآياتِ ربِّنا، ونَكونُ واللهِ مِن المؤمنين. هذا إذا كان على ذا الوجه كان مُنْقَطِعًا مِن الأولِ. قال: والرفعُ وجهُ الكلامِ؛ لأنه إذا نصَب جعَلها واوَ عطفٍ، فإذا جعَلها واوَ عطفٍ، فكأنهم قد تمنوا أن لا يُكَذِّبوا، وأَن يَكُونوا مؤمنين. قال: وهذا - واللهُ أعلمُ - لا يَكونُ؛ لأنهم لم يَتَمَنَّوْا هذا، إنما تمَنَّوا الردَّ، وأَخْبَرُوا أنهم لا يُكَذِّبون ويَكُونون مِن المؤمنين.

وكان بعضُ نحويى الكوفة يقولُ: لو نُصِب ﴿نُكَذِّبَ﴾ و ﴿وَنَكُونَ﴾ على الجوابِ بالواوِ (١) لكان صوابًا. قال: والعربُ تُجيب بالواوِ و "ثم" كما تُجِيبُ بالفاءِ، يقولون: ليت لى مالًا وأُعْطِيَك، وليت لى مالًا فأُعْطِيَك، و: ثم أُعْطِيَك. قال: وقد تَكونُ نصبًا على الصَّرفِ (٢)، كقولِك: لا يَسَعُنى شيءٌ ويعجِزَ عنك.

وقال آخرُ منهم: لا أُحِبُّ النصب في هذا؛ لأنه ليس بتَمَنٍّ منهم، إنما هو خبرٌ أخْبَروا به عن أنفسهم، ألا تَرَى أن الله تعالى قد كذَّبهم فقال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾. وإنما يَكونُ التكذيبُ للخبرِ لا للتمنِّى.

وكان بعضُهم يُنْكِرُ أن يَكونَ الجواب بالواو، وبحرف غير الفاء، وكان: يقولُ: إنما الواوُ موضعُ حالٍ: لا يَسَعُنى شيءٌ ويَضِيقَ عنك. أي: وهو يَضِيقُ عنك. قال: وكذلك الصَّرفُ في جميعِ العربيةِ. قال: وأما الفاءُ فجوابُ جزاءٍ: ما قمتَ فنَأْتِيَك (٣). أي: لو قمتَ لأَتَيْناك. قال: فهكذا حكمُ الصرفِ والفاءِ.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "قالوا"
(٢) ينظر كلام المصنف على الصرف في ١/ ٦٠٧، ٦٠٨، ٦/ ٩٢.
(٣) في م: "فآتيك" وفى س: "فأتيتك".