للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وأما قولُه: ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾. فإنما جاز لأنهم قالوا: يا ليتنا نُرَدُّ في غيرِ الحاِل التي وُقِفْنا فيها على النارِ. فكان وَقْفَهم في تلك، فتمَنَّوْا أن لا يَكونوا وُقِفوا في تلك الحالِ.

وكأن مَعْنيَّ صاحبِ هذه المقالةِ في قولِه هذا: ولو تَرَى إذ وُقِفوا على النارِ فقالوا: قد وُقِفْنا عليها مُكَذِّبين بآياتِ ربِّنا كفارًا، فيا ليتَنا نُرَدُّ إليها فنُوقَفَ عليها غيرَ مُكَذِّبِين بآياتِ ربِّنا، ولا كفارًا.

وهذا تأويلٌ يَدْفَعُه ظاهرُ التنزيل، وذلك قولُ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. فَأَخْبَرَ اللَّهُ تعالى ذكرُه أنهم في قِيلِهم ذلك كَذَبةٌ، والتكذيبُ لا يَقَعُ في التمنى، ولكنَّ صاحبَ هذه المَقالِة أَظُنُّ به أنه لم يَتَدَبَّرِ التأويل، ولزم سَنَنَ العربيةِ.

والقراءةُ التي لا أخْتارُ غيرَها في ذلك: (يا ليتَنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبُ بآياتِ ربِّنا وتكونُ مِن المؤمنين). بالرفع في كليهما، بمعنى: يا ليتَنا نُرَدُّ، ولسنا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ ربِّنا إن رُدِدْنا، ولكُنَّا نكونُ مِن المؤمنين. على وجهِ الخبرِ منهم عما يَفْعَلُون إن هم رُدُّوا إلى الدنيا، لا على التمنِّى منهم ألا يُكَذِّبوا بآياتِ ربِّهم، ويَكُونوا مِن المؤمنين؛ لأن الله تعالى ذكرُه قد أخْبرَ عنهم أنهم لو رُدُّوا لَعادوا لما نُهُوا عنه، وأنهم كَذَبَةٌ في قيلِهم ذلك. ولو كان قيلُهم ذلك على وجهِ التمنِّى لَاسْتَحال تكذيبهم فيه؛ لأن التمنِّىَ لا يُكَذَّبُ، وإنما يَكونُ التصديقُ والتكذيبُ في الأخبارِ.

وأما النصبُ في ذلك، فإنى أَظُنُّ بقارئِه أنه برجاءِ (١) تأويلِ قراءةِ عبدِ اللهِ التي ذكَرْناها عنه، وذلك قراءتُه ذلك: (يا ليتَنا نُرَدُّ فلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ ربِّنا ونكونَ مِن المؤمنين). على وجهِ جوابِ التمنى بالفاءِ، وهو إذا قُرِئ بالفاءِ كذلك، [ولا] (٢) شك


(١) كذا في م، ت ٢، س، وغير منقوطة في ص، ت ١، وأثبتها الشيخ شاكر: "توخَّى".
(٢) في م: "لا".