للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشَرًا أحياءً [تُذكَرون وتعرَفون] (١)، ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ بقبضِ أرواحِكم، وإعادتِكم كالذي كنتم قبلَ أن يحييَكم من دروسِ ذكرِكم، وتَعفِّي آثارِكم، وخُمولِ أمورِكم، ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ بإعادةِ أجسامِكم إلى هيئاتِها، ونفخِ الروحِ فيها، وتَصْيِيرِكم بشرًا كالذي كنتم قبلَ الإماتةِ تتعارَفون في بعثِكم وعندَ حشْرِكم.

وأما وجهُ تأويلِ مَن تأوَّل ذلك أنه الإماتةُ التي هي خروجُ الروحِ من الجسدِ، فإنه ينبغي أن يكونَ ذهَب بقولِه: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾. إلى أنه خطابٌ لأهلِ القبورِ بعدَ إحيائِهم في قبورِهم، وذلك معنًى بعيدٌ؛ لأن التوبيخَ هنالك إنما هو توبيخٌ على ما سلَف وفرَط من إجْرامِهم، لا استعتابٌ واسترجاعٌ. وقولُه جلَّ ذِكْرُه: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾. توبيخُ مُستعتِبٍ عبْدَه (٢)، وتأنيبُ مُسترجِعٍ خلْقَه من المعاصِي إلى الطاعَةِ، ومن الضلالِة إلى الإنابةِ، ولا إنابةَ في القبورِ بعدَ المماتِ، ولا توبةَ فيها بعدَ الوفاةِ.

وأما وجهُ تأويلِ قولِ قتادةَ ذلك أنهم كانوا أمواتًا في أصلابِ آبائِهم. فإنه عنَى بذلك أنهم كانوا نُطَفًا لا أرواحَ فيها، فكانت بمعنى سائرِ الأشياءِ المَواتِ التي لا أرواحَ فيها، وإحياؤُه إياها جل ذِكْرُه، نَفْخُه الأرواحَ فيها، وإماتَتُه إياهم بعدَ ذلك؛ قبضُه أرواحَهُم، وإحياؤه إياهم بعد ذلك؛ نفخُ الأرواحِ في أجسامِهم يومَ يُنْفَخُ في الصورِ ويُبعَثُ الخلقُ للموعودِ.

وأما ابنُ زيدٍ فقد أبان عن نفسِه ما قصَد بتأويلهِ ذلك، وأن الإماتةَ الأولَى


(١) في الأصل: "يذكرون ويعرفون".
(٢) في م: "عباده".