للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عندَه (١) إعادةُ اللهِ جلَّ ثناؤه عبادَه في أصلابِ آبائِهم بعدَما أخَذهم من صُلبِ آدمَ، وأن الإحياءَ الآخَرَ هو نفخُ الأرواحِ فيهم في بطونِ أمهاتِهم، وأن الإماتةَ الثانيةَ هي قبضُ أرواحِهم للعَوْدِ إلى الترابِ، والمصيرُ في البرْزَخِ إلى يومِ البعثِ، وأن الإحياءَ الثالثَ هو نفخُ الأرواحِ فيهم لبعثِ الساعةِ ونشرِ القيامةِ. وهذا تأويلٌ إذا تَدبَّره المتدبِّرُ وجَده خِلافًا لظاهرِ قولِ اللهِ الذي زعَم مفسِّرُه أن الذي وصَفْنَا من قولِه تفسيرُه، وذلك أن اللهَ جلَّ ذكرُه أخْبر في كتابِه عن الذين أخبَر عنهم من خلقِه أنهم قالوا: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾. وزعَم ابنُ زيدٍ أن (٢) تفسيرَه أن اللهَ أحياهم ثلاثَ إحياءاتٍ، وأماتهم ثلاثَ إماتاتٍ.

قال أبو جعفرٍ: والأمرُ عندنا وإن كان في ما وصَف من استخراجِ اللهِ جلَّ ثناؤُه من صُلْبِ آدمَ ذُريتَه، وأخذِه ميثاقَه عليهم، كما وصَف، فليس ذلك من تأويلِ هاتين الآيتين - أعني قولَه: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ الآية.

وقولَه: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ - ذي شيْءٍ؛ لأن أحدًا لم يدَّعِ أن اللهَ أمات من ذرَأ يومئذٍ غيرَ الإماتة التي صار بها في البرزخِ إلى البعثِ، فيكونَ جائزًا أن يوجَّهَ تأويلُ الآيةِ إلى ما وجَّههُ إليه ابنُ زيدٍ.

وقال بعضُهم: الموتةُ الأولَى مُفارقةُ نُطفةِ الرجلِ جسدَه إلى رحمِ المرأةِ، فهي ميتةٌ من لَدُنْ فِراقِها جسدَه إلى نفخِ الروحِ فيها، ثم يُحييها اللهُ بنفخِ الروحِ فيها فيجعَلُها بشرًا سويًّا بعدَ تاراتٍ تأتي عليها، ثم يُميتُه المِيتةَ الثانيةَ بقبضِ الروحِ منه، فهو في البرزخِ ميتٌ إلى يومِ يُنْفَخُ في الصورِ، فيَرُدُّ في جسدِه روحَه، فيعودُ حيًّا سويًّا لبعثِ القيامةِ، فذلك موتَتان وحياتان.


(١) في م: "عند".
(٢) في م: "في".