للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاءوا إلى النبيِّ ، فقالوا: يا محمدُ، إنا أصَبْنا ذنوبًا عظامًا. فما إخالُه ردَّ عليهم شيئًا، فانْصَرَفوا، فأنزل الله تعالى ذكرُه: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾. قال: فدعاهم، فقرَأَها عليهم. حدَّثنا المثنى، قال: ثنا أبو نُعَيْمٍ، قال: ثنا سفيانُ، عن مُجَمِّعٍ التَّميميِّ، قال: سَمِعْتُ ماهانَ يقولُ. فذكر نحوَه (١).

وقال آخَرون: بل عُنِي بها قومٌ مِن المؤمنين كانوا أشاروا على النبيِّ بطردِ القومِ الذين نهاه الله عن طردهم، فكان ذلك منهم خَطيئةً، فغفَرها الله لهم، وعفا عنهم، وأمَر نبيَّه إذا أتَوه أن يُبَشِّرَهم بأن قد غفر لهم خَطيئتَهم التي سلَفَت منهم بمشُورتهم على النبيِّ بطردِ القومِ الذين أشاروا عليه بطردهم. وذلك قولُ عكرمةَ وعبدِ الرحمنِ بن زيدٍ، وقد ذكَرْنا الروايةَ عنهما بذلك قبلُ.

وأولى الأقْوالِ في ذلك عندي بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: المعنيُّون بقولِه: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾. غيرُ الذين نهى الله النبيَّ عن طردِهم؛ لأن قولَه: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ خَبرٌ مُسْتَأْنَفٌ بعدَ تَقَضِّي الخبر عن الذين نهَى الله نبيَّه عن طردهم، ولو كانوا هم لقيل: وإذا جاءوك فقلْ: سلامٌ عليكم. وفي ابتداءِ اللهِ الخبرَ عن قصة هؤلاء وتركِه وَصْلَ الكلامِ بالخبر عن الأوَّلين ما يُنْبِئُ عن أنهم غيرُهم.

فتأويلُ الكلام (٢) إذ كان الأمرُ على ما وصَفْنا: وإذا جاءك يا محمدُ القومُ الذين يُصَدِّقون بتنزيلِنا وأدلتِنا وحُجَجِنا، فيُقِرُّون بذلك قولًا وعملًا، مُسْتَرْشِدِيك عن ذنوبِهم التي سلَفَت منهم بيني وبينهم، هل لهم منها توبةٌ؟ فلا تُؤَيِّسْهم منها، وقل


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٠٠ (٧٣٤٥) من طريق أبي نعيم به.
(٢) بعده في س: "إذن".