للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ أمَنَةُ اللهِ لكم من ذنوبكم، أن يُعاقِبكم عليها بعدَ توبتِكم منها، ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾. يقولُ: قضَى رَبُّكم الرحمةَ بخلقِه ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه عامَّةُ قرأةِ المَدَنِيين: (أنه من عمِل منكم سوءًا). فيَجْعَلون "أنَّ" منصوبةً على الترجمة بها عن "الرحمةِ"، (ثم تاب مِن بعدِه وأصْلَح فإنه غفورٌ رحيمٌ) (١). على ائْتِنافِ "إنه" بعدَ الفاءِ، فيَكْسِرونها ويَجْعَلونها أداةً لا موضعَ لها، بمعنى: فهو له غفورٌ رحيمٌ، أو: فله المغفرةُ والرحمةُ. وقرَأَهما بعضُ الكوفِيِّين بفتحِ الألفِ منهما جميعًا، بمعنى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ ثم تَرْجَم بقوله: ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ﴾.

عن الرحمةِ، ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢). فيَعْطِفُ بـ "أنه" الثانيةِ، على "أنه" الأولى، ويَجْعَلُهما اسمين منصوبين على ما بيَّنْتُ.

وقرأ ذلك بعض المكِّيِّين وعامةُ قرأةِ أهلِ العراق مِن الكوفةِ والبصرةِ، بكسرِ الألفِ مِن "إنه" و "إنه" على الابْتداءِ، وعلى أنهما أداتان لا موضعَ لهما (٣).

وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءةُ من قرَأَهما بالكسرِ: (كتَب ربُّكم على نفسِه الرحمةَ إنه) على ابتداءِ الكلامِ، وأن الخبرَ قد انْتَهَى عندَ قولِه: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، ثم اسْتُؤْنِف الخبرُ عما هو فاعلٌ تعالى ذكرُه بمَن عمِل سوءًا بجَهالةٍ ثم تاب وأصْلَح منه.


(١) وهي قراءة نافع وأبي جعفر. ينظر النشر ٢/ ١٩٤.
(٢) وهي قراءة عاصم وابن عامر ويعقوب. المصدر السابق.
(٣) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي وخلف. المصدر السابق.