للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إخلاصِ عبودتِه من غيرِ إشراكِ شيءٍ به.

وكذلك تقولُ العربُ: فلانٌ على بينةٍ من هذا الأمرِ. إذا كان على بيانٍ منه، ومن ذلك قولُ الشاعرِ (١):

أبَيِّنَةً تَبْغُون بعدَ اعترافِهِ … وقولِ سُوَيْدٍ قد كَفَيْتُكُمْ بِشْرَا

﴿وَكَذَّبْتُمْ بِهِ﴾. يقولُ: وكذَّبْتُم أنتم بربِّكم. والهاءُ في قولِه: ﴿بِهِ﴾ (٢) من ذكرِ الربِّ جلّ وعزّ. ﴿مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾. يقولُ: ما الذي تَسْتَعْجِلون مِن نِقَمِ اللهِ وعذابِه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادرٍ. وذلك أنهم قالوا حينَ بعث اللهُ نبيَّه محمدًا بتَوحيده، فدعاهم إلى اللهِ، وأَخْبَرَهم أنه رسولُه إليهم: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣]. وقالوا للقرآنِ: هو أضْغاتُ أحلامٍ. وقال بعضُهم: بل هو اخْتِلاقٌ اخْتَلَقَه. وقال آخرون: بل محمدٌ شاعرٌ، فلْيَأْتِنا بآيةٍ كما أُرْسِل الأوَّلون. فقال اللهُ لنبيِّه : أَجِبْهم بأن الآياتِ بيدِ اللهِ لا بيدِك، وإنما أنت رسولٌ، وليس عليك إلا البلاغُ لما أُرْسِلْتَ به، وأن اللهَ يَقْضِي الحقَّ فىهم وفيك، ويفصِلُ به بينَك وبينَهم، فيَتَبَيَّنُ المُحِقُّ منكم والمُبْطِلُ، ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾. أيْ: وهو خيرُ مَن بيَّن وميَّز بينَ المُحقِّ والمُبطِلُ، وأعْدلُهم؛ لأنه لا يَقَعُ في حكمِه وقَضائِه حَيْفٌ إلى أحدٍ، لوسيلةٍ له إليه، ولا لقرابةٍ ولا مُناسبةٍ، ولا في قضائِهِ جَوْرٌ؛ لأنه لا يَأْخُذُ الرَّشْوةَ في الأحكامِ فيَجُورَ، فهو أعدلُ الحكامِ وخيرُ الفاصِلين.

وقد ذُكِر لنا في قراءةِ عبدِ اللهِ: (وهو أَسْرَعُ الفاصِلين) (٣).

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن أبي


(١) مجاز القرآن ١/ ١٩٣.
(٢) سقط من: م.
(٣) البحر المحيط ٤/ ١٤٣، وهي قراءة شاذة لمخالفتها المصحف.