للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشرٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ أنه قال: في قراءةِ عبدِ اللهِ: (يَقْضِي الحقَّ وهو أَسْرَعُ الفاصِلِين) (١).

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: (يَقْضِي الحَقَّ)؛ فقرَأَه عامةُ قرأةِ الحجازِ والمدينةِ وبعضُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ والبصرةِ: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ﴾.

بالصادِ بمعنى القَصَصِ (٢). وتأوَّلوا في ذلك قولَ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يوسف: ٣]. وذُكِر ذلك عن ابنِ عباسٍ.

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا ابنُ عُيَيْنَةَ، عن عمرِو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ﴾. وقال: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ (٣).

وقرَأ ذلك جماعةٌ من قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقْضِي الحَقَّ) بالضادِ (٤)، من القضاء بمعنى الحكم والفصل بالقضاء، واعْتَبَروا صحةَ ذلك بقولِه: ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾. وأن الفصلَ بين المختلفين إنما يكونُ بالقضاءِ لا بالقَصَصِ.

وهذه القراءةُ عندَنا أولى القراءتين بالصوابِ (٥)؛ لِما ذكَرْنا لأهلِها من العلةِ.

فمعنى الكلامِ إذن: ما الحكمُ فيما تَسْتَعْجِلون به أيُّها المشركون مِن عذابِ اللهِ، وفيما بيني وبينكم، إلا لله الذي لا يَجورُ في حكمه، وبيده الخلقُ والأمرُ، يَقْضِي الحقَّ بيني وبينكم، وهو خيرُ الفاصِلين بينَنا بقضائِه وحكمِه.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٤ إلى المصنف وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) وهي قراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وعاصم. النشر ١/ ١٩٤.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٨٨٠ - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٠٣ (٧٣٦٠) من طريق ابن عيينة به.
(٤) وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب. النشر ١/ ١٩٤.
(٥) القراءتان كلتاهما صواب.