للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بن نصرٍ، قال: أخْبرَنا ابنُ المباركِ، عن هارونَ بنِ موسى، عن حفصِ بن سليمانَ، عن الحسنِ في قوله: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾. قال: هذا للمشركين. ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾. قال: هذا للمسلمين (١).

والصوابُ مِن القولِ عندي أن يُقالَ: إن الله تعالى ذكرُه توَعَّد بهذه الآيةِ أهلَ الشركِ به مِن عَبَدةِ الأوثانِ، وإياهم خاطَبَ بها؛ لأنها بين إخْبارٍ عنهم وخطابٍ لهم، وذلك أنها تَتْلُو قولَه: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا (٢) مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾. ويَتْلُوها قولُه: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾. وغيرُ جائزٍ أن يَكونَ المؤمنون كانوا به مُكَذِّبِين، فإذا كان غيرَ جائزٍ أن يَكونَ ذلك كذلك، وكانت هذه الآيةُ بينَ هاتين الآيتين، كان بيِّنًا أن ذلك وَعِيدٌ لَمَن تَقَدَّم وصْفُ اللهِ إياه بالشركِ، وتأَخَّر الخبرُ عنه بالتكذيبِ، لا لمَن لم يَجْرِ له ذكرٌ، غيرَ أن ذلك وإن كان كذلك، فإنه قد عَمَّ وعيدُه بذلك كلَّ من سلَك سبيلَهم مِن أهلِ الخلافِ على اللهِ وعلى رسولِه، والتكذيبِ بآياتِ اللهِ مِن هذه وغيرِها.

وأما الأخبارُ التي رُوِيَت عن رسولِ اللهِ أنه قال: "سأَلْتُ ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدةً". فجائزٌ (٣) أن هذه الآيةَ نزَلَت في ذلك الوقتِ وعيدًا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣١٠ (٧٤٠٥) من طريق هارون به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٠ إلى أبي الشيخ.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أنجيتنا". وهي قراءة، وينظر الكلام عليها في ص ٢٩٤.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "و".