للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا تأويلٌ له وجهٌ لو (١) لم يَكُنِ اللهُ سمَّى الذي دعا الحيرانَ إليه أصحابُه هُدًى، وكان الخبرُ بذلك عن أصحابِه الدُّعاةِ له إلى ما دعَوْه إليه، أنهم هم الذين سمَّوْه، ولكنَّ اللهَ سمَّاه هدًى، وأخْبَر عن أصحابِ الحيرانِ أنهم يَدْعُونه إليه، وغيرُ جائزٍ أن يُسَمَّىَ اللهُ الضلالَ هدًى؛ لأن ذلك كذِبٌ، وغيرُ جائزٍ وصفُ اللهِ بالكذبِ؛ لأن ذلك وصفُه بما ليس مِن صفتِه، وإنما كان يَجوزُ توجيهُ ذلك إلى الصوابِ، لو كان ذلك خبرًا مِن اللهِ عن الداعي الحيرانَ أنهم قالوا له: تعالَ إلى الهدَى. فأما وهو قائلٌ: ﴿يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى﴾. فغيرُ جائزٍ أن يكونَ ذلك وهم كانوا يَدْعُونه إلى الضلالِ.

وأما قولُه: ﴿ائْتِنَا﴾. فإن معناه: يقولُون: ائْتِنا، هَلُمَّ إلينا. فحذَف القولَ الدلالِة الكلامِ عليه.

وذُكِر عن ابنِ مسعودٍ أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (يَدْعُونه إلى الهُدَى بَيِّنًا).

حدَّثنا بذلك ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا غُنْدَرٌ، عن شعبةَ، عن أبي إسحاقَ، قال: في قراءةِ عبدِ اللهِ: (يَدْعُونه إلى الهُدَى بَيِّنًا) (٢).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَني عبدُ اللهِ بنُ كثيرٍ، أنه سمِع مجاهداً يقولُ: في قراءةِ ابنِ مسعودٍ: (له أصحابٌ يَدْعُونه إلى الهُدَى بَيِّنًا). قال: الهُدى الطريقُ، أنه بَيِّنٌ (٣).

وإذا قُرِئ ذلك كذلك، كان (البَيِّنُ) مِن صفةِ (الهدى)، ويكونُ نصبُ (البَيِّنِ) على القطعِ مِن (الهُدى)، كأنه قيل: يَدْعُونه إلى الهُدَى البَيِّنِ. ثم نُصِب


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٢ إلى المصنف وابن الأنباري، وينظر مختصر الشواذ لابن خالويه ص ٤٤.
(٣) وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص ١٧١ عن حجاج به دون آخره، وعزاه السيوطي في الدر ٣/ ٢٢ إلى أبي الشيخ.