للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيمًا، وأراه ملكوتَ الأرضِ، فأراه جبالًا وبحورًا وأنهارًا وشجرًا، ومِن كلِّ الدوابِّ، وخلقًا عظيمًا (١).

وأولى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: عنَى اللهُ تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. أنه أراه ملكَ السماواتِ والأرضِ، وذلك ما خلَق فيهما مِن الشمسِ والقمرِ والنجومِ [والجبالِ] (٢) والشجرِ والدوابِّ، وغيرِ ذلك من عظيمِ سُلْطانِه فيهما، وجلَّى له بَواطنَ الأمورِ وظَواهرَها؛ لِما ذكَرْنا قبلُ مِن معنى الملكوتِ في كلامِ العربِ، فيما مضَى قبلُ.

وأما قولُه: ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾. فإنه يعني أنه أراه ملكوتَ السماواتِ والأرضِ ليَكونَ ممَّن يتَوَحَّدُ بتوحيدِ اللهِ، ويَعْلَمُ حقيقَةَ (٣) ما هداه له وبصَّرَه إياه مِن معرفةِ وَحْدانيتِه، وما عليه قومُه مِن الضَّلالةِ من عبادتِهم الأصنامَ، واتخاذِهم إياها آلهةً دونَ اللهِ تعالى ذكرهُ.

وكان ابنُ عباسٍ يقولُ في تأويلِ ذلك ما حدَّثني به محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾: إنه جلَّى له الأمرَ؛ سِرَّه وعَلانيتَه، فلم يَخْفَ عليه شيءٌ مِن أعمالِ الخَلائقِ، فلمَّا جَعَل يَلْعَنُ أصحابَ الذنوبِ، قال اللهُ: إنك لا تَسْتَطِيعُ هذا. فردَّه اللهُ كما كان قبلَ ذلك (٤).

فتأويلُ ذلك على هذا التأويلِ: أَرَيْناه ملكوتَ السماواتِ والأرضِ ليكونَ ممَّن يُوقِنُ علمَ كلِّ شيءٍ حِسًّا لا خبرًا.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٥ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.
(٢) سقط من: م.
(٣) في م: "حقية".
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٢٧ (٧٥٠٧) عن محمد بن سعد به.