للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثَوْرٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ، قال: ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾. قال: نزَلَت في مُسَيْلِمةَ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أَخْبَرَنا عبدُ الرزاق، قال: أَخْبَرَنا معمرٌ، عن قَتادةَ، وزاد فيه: وأَخْبَرَني الزهريُّ أن النبيَّ قال: "بيْنا أنا نائمٌ رأيْتُ في يديَّ سِوارَيْن من ذهبٍ، فكَبُر ذلك عليَّ، فأُوحِيَ إليَّ أنِ انْفُخْهما، فنَفَخْتُهما فطارا، فأَوَّلْتُ ذلك كذَّابَ اليَمامةِ وكذَّابَ صَنْعاءَ العَنْسيَّ" (١).

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقالَ: إن اللهَ قال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾. ولا تَمانُعَ بينَ علماءِ الأمةِ أن ابنَ أبي سَرْحٍ كان ممَّن قال: إني قد قلتُ مثلَ ما قال محمدٌ. وأنه ارْتَدَّ عن إسلامِه، ولحِق بالمشركين، فكان لا شكَّ بذلك من قيلِه مُفتريًا كذبًا. وكذلك لا خلافَ بينَ الجميعِ أن مُسَيْلِمةَ والعَنْسيَّ الكذَّابَيْن ادَّعَيا على اللهِ كَذبًا أنه بعثَهما نبيَّيْن، وقال كلُّ واحدٍ منهما: إن اللهَ أَوْحَى إليه. وهو كاذبٌ في قيلِه.

فإذ كان ذلك كذلك، فقد دخَل في هذه الآيةِ كلُّ مَن كان مُخْتَلِفًا على اللهِ كذبًا، وقائلًا في ذلك الزمانِ وفي غيرِه: أَوْحَى اللهُ إِليَّ. وهو في قيلِه كاذبٌ، لم يُوحِ اللهُ إليه شيئًا. فأما التنزيلُ فإنه جائزٌ أن يَكونَ نزَل بسببِ بعضِهم، وجائزٌ أن يَكونَ نزَل بسببِ جميعِهم، وجائزٌ أن يَكونَ عُنِي به جميعُ المشركين مِن العربِ، إذ كان قائلو ذلك منهم، فلم يُغَيِّروه، فعيَّرهم اللهُ بذلك، وتوعَّدهم بالعقوبةِ على


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ٢١٣، ٢١٤، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٤٦ (٧٦٢٥) عن الحسن بن يحيى به ولم يذكر المرفوع، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٠ إلى عبد بن حميد وأبي الشيخ.
والحديث أصله في البخاري (٤٣٧٥، ٧٠٣٧)، ومسلم (٢٢٧٤/ ٢٢) من حديث أبي هريرة.