حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾. أي: ضياءً (١).
وأولى القولين في تأويلِ ذلك عندي بالصوابِ تأويلُ مَن تأَوَّله: وجعَل الشمسَ والقمرَ يَجْرِيان بحسابٍ وعددٍ لبلوغِ أمرِهما، ونهايةِ آجالِهما، ويَدُوران لمصالحِ الخلقِ التي جُعِلا لها.
وإنما قلنا: ذلك أولى التأويلين بالآيِة؛ لأن الله تعالى ذكرُه ذكَر قبلَه أياديَه عندَ خلقِه، وعظمَ سلطانِه، بفَلْقِه الإصباحَ لهم، وإخراجِ النباتِ والغراسِ مِن الحبِّ والنَّوَى، وعقَّب ذلك بذكرِه خلقَ النجومِ لهدايتِهم في البرِّ والبحرِ، فكان وصفُه إجراءهَ الشمسَ والقمرَ لمنافِعِهم أشبَهَ بهذا الموضعِ مِن ذكرِ إضاءتِهما؛ لأنه قد وصَف ذلك قبلُ بقولِه: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾. فلا معنى لتكريرِه مرةً أُخرى في آيةٍ واحدةٍ لغيرِ معنًى.
والحُسْبانُ في كلامِ العربِ جمعُ حسابٍ، كما الشُّهْبانُ جمعُ شهابٍ. وقد قيل: إن الحُسْبانَ في هذا الموضعِ مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: حسَبْتُ الحسابَ، أَحْسُبُه حِسابًا وحُسْبانًا. وحُكِي عن العربِ: على اللهِ حُسْبانُ فلانٍ وحِسْبتُه. أي: حسابُه. وأَحْسَبُ أن قتادةَ في تأويلِ ذلك بمعنى الضياءِ، ذهَب إلى شيءٍ يُرْوَى عن ابنِ عباسٍ في قولِه: ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠]. قال: نارًا.
فوجَّه تأويلَ قولِه: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ إلى ذلك التأويلِ، وليس هذا مِن ذلك المعنى في شيءٍ.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٥٥ (٧٦٧٩) مِن طريق سعيد بن بشير، عن قتادة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٣ إلى عبد بن حميد وأبي الشيخ.