للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شاء. قالوا: ومعنى العلمِ في هذا الموضعِ: المعلومُ. قالوا: فلم يَكُنْ في نفيِه عن خلقِه أن يُحِيطوا بشيءٍ من علمِه إلا بما شاء، نفيٌ عن أن يَعْلَموه. قالوا: فإذ لم يَكُنْ في نفيِ الإحاطةِ بالشيءِ علمًا نفيٌ للعلمِ به، كان كذلك، لم يَكُنْ في نفيِ إدراكِ اللهِ عن البصرِ نفيُ رؤيتِه له. قالوا: وكما جاز أن يَعْلَمَ الخلقُ أشياءَ ولا يُحيطُون بها علمًا، كذلك جائزٌ أن يَرَوْا رَبَّهم بأبصارِهم ولا يُدْرِكوه بأبصارِهم، إذ كان معنى الرؤيةِ غيرَ معنى الإدراكِ، ومعنى الإدراكِ غير معنى الرؤيةِ، وأن معنى الإدراكِ إنما هو معنى الإحاطةِ، كما قال ابنُ عباسٍ في الخبرِ الذي ذكَرْناه قبلُ.

قالوا: فإن قال لنا قائلٌ: وما أَنْكَرْتُم أن يكونَ معنى قولِه: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾: لا تراه الأبصارُ؟ قلنا له: أنْكَرْنا ذلك لأن اللهَ جلَّ ثناؤُه أخْبَر في كتابِه أن وجوهًا - في القيامةِ - إليه ناظرةٌ، وأن رسولَ اللهِ أخْبَر أمتَه أنهم سيَرَوْن ربَّهم يومَ القيامةِ كما يُرَى القمرُ ليلةَ البدرِ، وكما تَرَوْن الشمسَ ليس دونَها سَحابٌ (١).

قالوا: فإذ كان اللهُ قد أخْبَر في كتابِه بما أخْبَر، وحقَّقَتْ أخبارُ رسولِ اللهِ بما ذكَرْنا عنه مِن قيلِه ، أن تأويلَ قولِه: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أنه نَظَرُ أبصارِ العيونِ للهِ (٢) وكان كتابُ اللهِ يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا، وكان مع ذلك غيرُ جائزٍ أن يكونَ أحدُ هذين الخبرين ناسخًا للآخرِ، إذ كان غيرَ جائزٍ في الأخبارِ؛ لما قد بيَّنَّا في كتابِنا: "كتابِ لطيفِ البيانِ عن أصولِ الأحكامِ" وغيرِه - عُلِم أن معنى قولِه: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾. غيرُ معنى قولِه: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "سحابة".
والحديث أخرجه البخاري (٨٠٦)، ومسلم (١٨٢) من حديث أبى هريرة، والبخارى (٤٥٨١)، ومسلم (١٨٣) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٢) سيأتي تخريجه في تفسير الآيتين من سورة القيامة.