للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عقوبتِه، ومُعرِّفَهم ما كان منه من تعطُّفِه على التائبِ منهم، استعتابًا منه لهم، فكان مما عدَّدَ من نِعَمِه عليهم، أنه خلَق لهم ما في الأرضِ جميعًا، وسخَّر لهم ما في السماواتِ؛ من شمسِها وقمرِها ونجومِها وغيرِ ذلك من منافعِها التي جعَلها لهم ولسائرِ بني آدمَ معهم منافعَ، فكان في قولِه: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. معنى (١): اذكُروا نعمتي (٢) عليكم إذ خلَقتُكم ولم تكونوا شيئًا، وخلَقتُ لكم ما في الأرض جميعًا، وسوَّيتُ لكم ما في السماءِ. ثم عطَف بقولِه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ على المعنى المقتضَى بقولِه: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ إذ كانَ مُقتضيًا ما وصفتُ من قولِه: اذكُروا نِعمتي إذْ فعلتُ بكم وفعلتُ، واذكُروا فِعْلِي بأبِيكم آدمَ، إذْ قلتُ للملائكةِ: إني جاعلٌ في الأرضِ خليفةً.

فإن قال قائلٌ: فهل لذلك من نظيرٍ في كلامِ العربِ نعلَمُ به صحةَ ما قلتَ؟

قيل: نعم، أكثرُ مِن أن يُحصَى، من ذلك قولُ الشاعرِ (٣):

أجِدَّك لن تَرَى بثُعَيْلِباتٍ (٤) … ولا بَيْدَانَ (٥) ناجيةً (٦) ذَمُولَا (٧)


(١) في ر: "معناه".
(٢) بعده في م: "التي أنعمت".
(٣) البيتان للمرار بن سعيد الفقعسي، وهما في مجالس ثعلب ١/ ١٥٩، واللسان (ب ى د، ن ش غ، ط ف ل).
(٤) في ص: "بتعيلنات". وثعيلبات تصغير جمع ثعلبة: موضع. معجم البلدان ١/ ٩٢٧.
(٥) بيدان: جبل أحمر مستطيل من أخيلة حمى ضريّة. معجم البلدان ١/ ٧٨٣.
(٦) الناجية: الناقة السريعة. التاج (ن ج و).
(٧) الذميل: ضرب من سير الإبل، وقيل: هو السير اللين ما كان، وقيل: هو فوق العنق. اللسان (ذ م ل).