للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾: بلا إلهَ إلا اللهُ، لا يَجِدُ لها في صدرِه مَسَاغًا (١).

حدَّثني المثنى، قال: ثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، قال: أخْبرنا ابنُ المباركِ، عن ابنِ جُريجٍ قراءةً في قولِه: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾: بلا إلهَ إلا اللهُ، حتى لا يَسْتَطِيعَ أَن تَدْخُلَه (١).

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ ذلك، فقرَأَه بعضُهم: ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ بفتحِ الحاءِ والراءِ مِن: ﴿حَرَجًا﴾. وهي قراءةُ عامةِ المكيين والعراقيين (٢)، بمعنى جمعِ حَرَجةٍ، على ما وصفتُ.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ: (ضَيِّقًا حَرِجًا) بفتحِ الحاءِ وكسرِ الراءِ (٣).

ثم اخْتَلَف الذين قرَءوا ذلك في معناه؛ فقال بعضُهم: هو بمعنى الحَرَجِ، وقالوا: الحَرَجُ بفتحِ الحاءِ والراءِ، والحَرِجُ بفتحِ الحاءِ وكسرِ الراءِ، بمعنَى واحدٍ، وهما لغتان مشهورتان، مثلُ الدَّنَفِ والدَّنِفِ، والوَحَدِ والوَحِدِ، والفَرَدِ والفَرِدِ (٤).

وقال آخرون منهم: بل هو بمعنى الإثمِ، مِن قولِهم: فلانٌ أَثِمٌ حَرِجٌ. وذُكِر عن العربِ سَماعًا منها: حَرِجٌ عليك ظُلْمي. بمعنى: ضِيقٌ وإثْمٌ.

والقولُ عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان مُسْتَفِيضتان بمعنًى واحدٍ، وبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فهو مصيبٌ؛ لاتفاقِ معنَيَيْهما، وذلك كما ذكَرْنا مِن الرواياتِ عن العربِ في الوَحَدِ والفَرَدِ، بفتحِ الحاءِ مِن الوَحَدِ، والراءِ من الفرَدِ، وكسرِهما، بمعنًى واحدٍ.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٤٥ إلى أبي الشيخ، وذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٣٢٩ عن ابن المبارك به.
(٢) وهي قراءة ابن كثير وحفص وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف. ينظر النشر ٢/ ١٩٧.
(٣) وهي قراءة نافع وأبي جعفر وأبي بكر شعبة. ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٣٥٣.