للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما "الضيِّقُ"، فإن عامةَ القرأةِ على فتحِ ضادِه وتشديدِ يائِه، خلا بعضَ المكيين، فإنه قرَأه: (ضَيْقًا) بفتحِ الضادِ وتسكينِ الياءِ وتخفيفِه (١).

وقد يَتَّجِهُ لتَسْكينِه ذلك وجهان: أحدُهما، أن يَكونَ سكَّنه وهو يَنْوِي معنى التحريكِ والتشديدِ، كما قيل: هَيْنٌ لَيْنٌ، بمعنى: هيِّنٌ ليِّنٌ.

والآخرُ، أن يَكون سكَّنه بنيةِ المصدرِ، مِن قولِهم: ضاق هذا الأمرُ يَضِيقُ ضَيْقًا. كما قال رُؤْبةُ:

قد علِمْنا عندَ كلِّ مَأْزِقِ … ضَيْقٍ بِوَجْهِ الأَمْرِ أَو (٢) مُضَيَّقِ

ومنه قولُ الله: ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل: ١٢٧]. وقال رُؤْبةُ أيضًا (٣):

وشَفَّها اللُّوحُ بمَأْزُولٍ ضَيَقْ (٤)

بمعنى: ضيِّقٍ.

وحُكِي عن الكِسائيِّ أنه كان يَقولُ: الضِّيقُ بالكسرِ، في المعاشِ والموضعِ، وفي الأمرِ الضَّيْقُ.

وفي هذه الآيةِ أبْيَنُ البيانِ لمن وُفِّق لفهمِها عن أن السببَ الذي به يُوصَلُ إلى الإيمانِ والطاعةِ غيرُ السببِ الذي به يُوصَلُ إلى الكفرِ والمعصيةِ، وأن كلا


(١) وهي قراءة ابن كثير. ينظر الكشف ١/ ٤٥٠، ٤٥١.
(٢) في م: "أي".
(٣) ديوانه ص ١٠٥.
(٤) شفها: أنحلها وهَزَلها. واللُّوح: العطش. والمأزول من الأزل، وهو الشدة والضيق. اللسان (ل و ح، ش ف ف، أ ز ل) وجعل (ضيَق) بالتحريك مراعاة للوزن.