للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن مشركي الإنسِ والجنِّ، يُخْبِرُ أنه يَقولُ لهم تعالى ذكرُه يومَئِذٍ: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾. يقولُ: يُخْبِرونكم بما أُوحِي إليهم؛ من تَنْبِيهي إياكم على مواضعِ حُجَجي، وتعريفِي لكم أدلَّتِي على توحيدي، وتصديق أنبيائي، والعملِ بأمرِي، والانتهاءِ إلى حُدودي.

﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾. يقولُ: يُحَذِّرونكم لقاءَ عذابي في يومِكم هذا، وعقابي على معصيتِكم إيايَ، فَتَنْتَهُوا عَن مَعاصِيَّ.

وهذا مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه تَقريعٌ وتَوْبيخٌ لهؤلاء الكفَرةِ على ما سلَف منهم في الدنيا مِن الفسوقِ والمعاصي، ومعناه: قد أتاكم رسلٌ منكم يُنَبِّهونكم على خطأ ما كنتم عليه مقيمين، بالحججِ البالغةِ، ويُنْذِرونكم وعيدَ اللهِ على مُقامِكم على ما كنتم عليه مقيمين، فلم تَقْبَلوا ذلك، ولم تَتَذَكَّروا ولم تَعْتَبِروا.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في الجنِّ، هل أُرْسِل منهم إليهم (١) أم لا؟ فقال بعضُهم: قد أُرْسِل إليهم رسلٌ، كما أُرْسِل إلى الإنسِ منهم رسلٌ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يحيَى بنُ واضحٍ، قال: ثنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سُئِل الضحاكُ عن الجنِّ، هل كان فيهم نبيٌّ (٢) قبلَ أن يُبْعَثَ النبيُّ ؟ فقال: ألم تَسْمَعْ إلى قولِ اللهِ: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾. يعني بذلك رسلًا من الإنسِ ورسلًا مِن الجنِّ؟ فقالوا: بلَى (٣).


(١) بعده في ف: "رسل".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "مؤمن".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٤٦ إلى المصنف.