وقال آخرون: لم يُرْسَلْ منهم إليهم رسولٌ، ولم يكنْ له مِن الجنِّ قطُّ رسولٌ مُرْسَلٌ، وإنما الرسلُ مِن الإِنسِ خاصةً، فأمّا مِن الجنِّ فالنُّذُرُ. قالوا: وإنما قال اللهُ: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾. والرسلُ مِن أحدِ الفريقين، كما قال: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾. ثم قال: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ١٩، ٢٢]. وإنما يَخْرُجُ اللؤلؤُ والمَرْجانُ مِن المِلْحِ دونَ العَذْبِ منهما، وإنما معنى ذلك: يَخْرُجُ مِن بعضِهما أو مِن أحدِهما. قال: وذلك كقولِ القائلِ لجماعةِ أَدْؤُرٍ: إن في هذه الدُّورِ لشَرًّا. وإن كان الشرُّ في واحدةٍ منهن، فيُخْرِجُ الخبرَ عن جميعِهن والمرادُ به الخبرُ عن بعضِهن، وكما يقالُ: أَكَلْتُ خبزًا ولبنًا. إذا اخْتَلَطا، ولو قيل: أكَلْتُ لبنًا. كان الكلامُ خطأً؛ لأن اللبنَ يُشْرَبُ ولا يُؤْكَلُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ قولَه: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾. قال: جمعَهم كما جمعَ قولَه: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر: ١٢]. ولا يَخْرُجُ مِن الأنهارِ حِلْيةٌ. قال ابنُ جُريجٍ، قال ابنُ عباسٍ: هم الجنُّ الذين لَقُوا قومَهم، وهم رسلٌ إلى قومِهم.
فعلى قولِ ابنِ عباسٍ هذا إن مِن الجنّ رسلًا للإنسِ إلى قومِهم.
فتأويلُ الآيةِ على هذا التأويلِ الذى تأوَّله ابنُ عباسٍ: ألم يَأْتِكم أيُّها الجنُّ والإنسُ رسلٌ منكم؟ فأمّا رسلُ الإنسِ، فرسلٌ مِن اللهِ إليهم، وأما رسلُ الجنِّ، فرسلُ رسلِ اللهِ مِن بنى آدمَ، وهم الذين إذا سمِعوا القرآنَ ولَّوْا إِلى قومِهم مُنْذِرِين.
وأما الذين قالوا بقولِ الضحاكِ، فإنهم قالوا: إن اللهَ تعالى ذكرُه أَخْبَر أَن مِن الجنِّ رسلًا أُرسِلوا إليهم، كما أخْبَرَ أن مِن الإنسِ رسلًا أُرْسِلوا إليهم. قالوا: ولو جاز