للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه (١).

وأولى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ أن يُقالَ: إن اللهَ تعالى ذكرُه أَخْبَر عن هؤلاء الكفَرةِ أنهم قالوا فى أنعامٍ بأعيانِها: ما فى بطونِ هذه الأنعامِ خالصةٌ لذكورِنا دونَ إناثِنا. واللبنُ مما فى بطونِها، وكذلك أجِنَّتُها، ولم يُخَصِّص اللهُ بالخبرِ عنهم أنهم قالوا: بعضُ ذلك حرامٌ عليهن دونَ بعضٍ.

وإذ كان ذلك كذلك، فالواجبُ أن يُقالَ: إنهم قالوا: ما في بطونِ تلك الأنعامِ من لبنٍ وجَنينٍ حِلٌّ لذكورِهم، خالصةٌ دونَ إناثِهم. وإنهم كانوا يُؤْثِرون بذلكَ رجالَهم، إلا أن يكونَ الذى فى بطونِها من الأجِنَّةِ ميتًا، فيَشْتَرِكَ حينَئِذٍ في أكلِه الرجالُ والنساءُ.

واخْتَلَف أهلُ العربيةِ فى المعنى الذى مِن أجلِه أُنِّثَت "الخالصةُ"؛ فقال بعضُ نحويى البصرة وبعضُ الكوفيين: أُنِّثَت لتحقيقِ الخُلُوصِ، كأنه لما حقَّق لهم الخُلُوصَ أَشْبَه الكثرةَ، فجرَى مَجْرَى راويةٍ ونَسَّابةٍ.

وقال بعضُ نحويى الكوفة (٢): أُنِّثَت لتأنيثِ الأنعامِ؛ لأن ما في بطونِها مثلُها، فأُنِّثَ لتأنيثِها، ومَن ذكَّره فلتذكيرِ (ما). قال: وهي في قراءةِ عبدِ اللهِ: (خالِصٌ) (٣). قال: وقد تَكونُ "الخالصةُ" فى تأنيثِها مصدرًا، كما تقولُ: العافيةُ والعاقبةُ. وهو مثلُ قولِه: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [سورة ص: ٤٦].

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك عندى أن يُقالَ: أُرِيد بذلك المبالغةُ فى خُلوصِ ما


(١) تفسير مجاهد ص ٣٢٩، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٣٩٥ (٧٩٣٦)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٤٨ إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.
(٢) هو الفراء فى معانى القرآن ١/ ٣٥٨، ٣٥٩.
(٣) هي قراءة شاذة، وقد قرأ بها عبد الله وابن جبير وأبو العالية والضحاك وابن أبي عبلة. البحر المحيط ٤/ ٢٣١.