للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَرَّوا، فنسَخَتْها العشرُ ونصفُ العشرِ (١).

وأولى الأقوالِ فى ذلك عندى بالصواب قولُ مَن قال: كان ذلك فرضًا فرَضه الله على المؤمنين فى طعامِهم وثمارِهم التى تُخْرِجُها (٢) زُروعُهم وغُروسُهم، ثم نسَخه الله بالصدقةِ المفروضةِ والوظيفةِ المعلومةِ مِن العشرِ ونصفِ العشرِ، وذلك أن الجميعَ مُجْمِعون لا خلافَ بينَهم أن صدقةَ الحَرْثِ لا تُؤْخَذُ إلا بعدَ الدِّياسِ والتَّنْقِيةِ والتَّذرية، وأن صدقة التمر لا تُؤْخَذُ إلا بعدَ الجَفَافِ (٣).

فإذا كان ذلك كذلك، وكان قولُه جلَّ ثناؤه: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، يُنبئُ عن أنه أمرٌ من الله جلَّ ثناؤُه بإيتاءِ حقِّه يومَ حَصادِه، وكان يومُ حَصادِه هو يومَ جدِّه (٤) وقطعِه، والحَبُّ لا شكَّ أنه في ذلك اليوم في سُنْبُله، والثمرُ (٥) وإن كان ثمرَ نخلٍ أو كَرْمٍ غيرُ مُسْتَحْكَمٍ جُفوفُه ويُبْسُه، وكانت الصدقةُ من الحَبِّ إنما تُؤْخَذُ بعدَ دِياسِه وتذريتِه وتنقيتِه كَيْلًا، والتمرُ إنما تُؤْخَذُ صدقتُه بعدَ اسْتِحْكامِ يُبْسِه وجُفوفِه كَيْلًا، عُلِم أن ما تُؤْخَذُ صدقتُه (٦) بعدَ حين حَصْدِه غيرُ الذي يَجِبُ إيتاؤُه المساكينَ يومَ حَصادِه.

فإن قال قائلٌ: وما تُنْكِرُ أن يَكونَ ذلك إيجابًا مِن الله في المالِ حقًّا سوى الصدقة المفروضة؟

قيل: لأنه لا يَخْلُو أن يَكونَ ذلك فرضًا واجبًا أو نفلًا.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة ٣/ ١٨٦، وابن أبي حاتم فى تفسيره ٥/ ١٣٩٨ (٧٩٥٤)، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص ٣٣٤، من طريق ابن إدريس به.
(٢) فى ت ١، س، ف: "يخرجونها".
(٣) في ص، ت ٢، ف: "الاحرار".
(٤) في م، ت ٢: "جذه"، وفى ت ١، س: "حدوه"، وفى ف: "حذوه".
(٥) فى ص، ت ١، س، ف: "الثمرة".
(٦) في م: "صدقة".