للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن يكن فرضًا واجبًا، فقد وجَب أن يَكون سبيلُه سبيلَ الصدقاتِ المفروضات التي مَن فرَّط في أدائِها إلى أهلِها، كان بربِّه آثمًا، ولأمرِه مخالفًا، وفي قيامِ الحُجَّةِ بأن لا فرضَ للهِ في المالِ بعدَ الزكاةِ يَجِبُ وجوبَ الزكاةِ سوى ما يَجِبُ مِن النفقة لمن يَلْزَمُ المرءَ نفقتُه، ما يُنْبِئُ عن أن ذلك ليس كذلك.

أو يكونُ ذلك نَفْلًا، فإن يَكُنْ ذلك كذلك، فقد وجَب أن يَكونَ الخيارُ في إعطاءِ ذلك إلى ربِّ الحَرْثِ والثمر، وفى إيجاب القائلين بوجوب ذلك ما يُنبئُ عن أن ذلك ليس كذلك.

وإذا خرَجَت الآيةُ من أن يَكونَ مُرادًا بها الندبُ، وكان غيرَ جائزٍ أن يَكونَ لها مَخْرَجٌ فى وجوبِ الفرض بها فى هذا الوقتِ، عُلم أنها مَنْسوخةٌ.

ومما يُؤَيِّدُ ما قلنا في ذلك من القولِ دليلًا على صحته، أنه جلَّ ثناؤُه أتبَع قولَه: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ - ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. ومعلومٌ أن مِن حُكْم الله فى عبادِه مُذْ فرَض فى أموالِهم الصدقة المفروضةَ الموقتة القَدْرِ، أن القائمَ بأخْذِ ذلك ساستُهم ورُعاتُهم. وإذا كان ذلك كذلك، فما وجهُ نهي ربِّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك، والآخِذُ مُجْبِرٌ (١)، وإنما يأخُذُ الحقَّ الذى فرَض الله فيه؟

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك إنما هو نهىٌ مِن اللهِ القَيِّمَ بِأَخْذِ ذلك مِن الرُّعاةِ عن التعَدِّى فى مالِ ربِّ المالِ، والتجاوز إلى أخْذِ ما لم يُبَحْ له أخْذُه، فإن آخِرَ الآية، وهو قوله: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾. معطوفٌ على أوله، وهو قولُه: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾. فإن كان المنهىَّ عن الإسرافِ القيِّمُ بقبض ذلك، فقد يَجِبُ أن يكونَ المأمورُ بإيتائه (٢) المنهىَّ عن الإسراف فيه، وهو السلطانُ.


(١) في ص، س، ف: "مخير".
(٢) فى م: "بإتيانه".