للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا تقريعٌ مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه العادِلين به الأوثانَ مِن عبَدةِ الأصنامِ الذين بحَروا البَحائرَ، وسيَّبوا السَّوائبَ، ووصَلوا الوَصائلَ، وتعليمٌ منه نبيَّه والمؤمنين به الحجةَ عليهم فى تحريِمهم ما حرَّموا مِن ذلك، فقال للمؤمنين به وبرسولِه: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾. ومِن الأنعامِ أنْشَأ حَمولةً وفَرْشًا. ثم بيَّن جلَّ ثناؤُه الحَمولَة والفَرْشَ، فقال: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾.

وإنما نصَب "الثمانيةَ"؛ لأنها ترجمةٌ عن "الحَمولةِ" و"الفَرْشِ"، وبدلٌ منها، كأنَّ معنى الكلامِ: ومِن الأنعامِ أنشَأ ثمانيةَ أزواجٍ. فلمَّا قدَّم قبلَ "الثمانيةِ" "الحَمولةَ" و"الفَرْشَ، بيَّن ذلك بعدُ. فقال: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ على ذلك المعنى.

﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ فذلك أربعةٌ؛ لأن كلَّ واحدٍ مِن الاثنين مِن الضأْنِ زوجٌ، فالأنثى منه زوجُ الذكرِ، والذكرُ منه زوجُ الأنثى، وكذلك ذلك مِن المَعْزِ، ومِن سائرِ الحيوانِ، فلذلك قال جلَّ ثناؤُه: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾. كما قال: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات: ٤٩]. لأن الذكرَ زوجُ الأنثى، والأنثى زوجُ الذكرِ، فهُما وإن كانا اثنين فهما زَوْجان؛ كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩]. وكما قال: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب: ٣٧].

وكما حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبو مُعاويةَ، عن جُويبرٍ، عن الضحاكِ: ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾: ذكرٍ وأنثى، ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ ذكرٍ وأنثى، ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ﴾: ذكرٍ وأنثى.

ويقالُ للاثنين: هما زوجٌ. كما قال لَبيدٌ (١):


(١) شرح ديوان لبيد ص ٣٠٠.