للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾. خطابٌ مِن اللهِ ﷿ لخاصٍّ مِن الملائكةِ دونَ الجميعِ، وأن الذين قيل لهم ذلك من الملائكةِ كانوا قبيلةَ إبليسَ خاصةً، الذين قاتَلوا معه جنَّ الأرضِ قبلَ خلقِ آدمَ، وأن اللهَ إنما خصَّهم بقيلِ ذلك امتحانًا منه لهم وابتلاءً؛ ليعرِّفَهم قصورَ علْمِهم وفضْلَ كثيرٍ ممَّن هو أضعفُ خَلْقًا منهم من خَلْقِه عليهم، وأن كرامتَه لا تُنالُ بقُوَى الأبدانِ وشدةِ الأجسامِ، كما ظنَّه إبليسُ عدوُّ اللهِ، ومُصَرِّحٌ (١) بأن قِيلَهم لربِّهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. كانت هَفْوةً منهم ورَجْمًا بالغيبِ، وأن اللهَ أطْلَعَهم على مكروهِ ما نطَقوا به مِن ذلك، ووقَّفهم عليه حتى تابوا وأنابوا إليه مما قالوا ونطَقوا مِن رَجْمِ الغيْبِ بالظُّنونِ، وتبرَّءُوا إليه من أن يَعْلَمَ الغيبَ غيرُه، وأظْهَر لهم مِن إبليسَ ما كان مُنطوِيًا عليه من الكِبْرِ الذي قد كان عنهم مسْتَخْفِيًا.

وقد رُوِي عن ابنِ عباسٍ خلافُ هذه الروايةِ، وهو ما حدَّثني به موسى بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: حدَّثنا أسْباطُ، عن السدِّيِّ في خبرٍ ذكَره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابنِ عباسٍ، وعن مُرَّةَ، عن ابنِ مسعودٍ، وعن ناسٍ مِن أصحابِ النبيِّ : لما فرَغ اللهُ مِن خلقِ ما أحبَّ، استوى على العرشِ، فجعَل إبليسَ على مُلْكِ سماءِ الدنيا، وكان من قبيلةٍ من الملائكةِ يُقالُ لهم: الجنُّ. وإنما سُمُّوا الجنَّ لأنهم خُزَّانُ الجَنَّةِ، وكان إبليسُ مع مُلكِه خازنًا، فوقَع في صدرِه كِبْرٌ، وقال: ما أعطاني اللهُ هذا إلا لمزيدٍ (٢) لي - هكذا قال موسى ابنُ هارونَ، وقد حدَّثني به (٣) غيرُه (٤) فقال: لمَزِيَّةٍ لي - على الملائكةِ. فلما وقَع


(١) في ر: "تصرح"، وفي م، ت ١، ت ٢: "يصرح".
(٢) في الأصل، وتاريخ المصنف: "لمزية".
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) هو أحمد بن أبي خيثمة، كما صرح المصنف باسمه في تاريخه ١/ ٨٦.