للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك الكِبْرُ في نفسِه، اطَّلَع اللهُ على ذلك منه، فقال اللهُ للملائكةِ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾. قالوا: ربَّنا، وما يكونُ ذلك الخليفةُ؟ قال: يكونُ له ذريةٌ يُفْسِدُون في الأرضِ ويتحاسَدون ويَقْتُلُ بعضُهم بعضًا. قالُوا: ربَّنا ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. يعني من شأنِ إبليسَ. فبعَث جبريلَ إلى الأرضِ ليَأْتِيَه بطِينٍ منها، فقالتِ الأرضُ: إني أعوذُ باللهِ منك أن تَنقُصَ مني أو تَشِينَني. فرجَع ولم يأخُذْ، وقال: ربِّ إنها عاذَت بك فأعذْتُها. فبعَث اللهُ مِيكائيلَ، فعاذَت منه فأعاذها، فرجَع فقال كما قال جبريلُ، فَبعَث مَلَكَ الموتِ، فعاذت منه، فقال: وأنا أَعوذُ باللهِ أن أرجِعَ ولم أُنْفِذْ أمْرَه. فأخَذ مِن وجهِ الأرضِ وخلَط، فلم يَأْخُذْ من مكانٍ واحدٍ، وأخَذ مِن تُرْبةٍ حمراءَ وبيضاءَ وسوداءَ، فلذلك خرَج بنو آدمَ مُخْتَلِفين، فصَعِد به فبلَّ الترابَ حتى عاد طينًا لازبًا - واللازبُ هو الذي يَلْتَزِقُ بعضُه ببعضٍ - ثم تُرِك حتى أنْتَن وتغَيَّر، فذلك حينَ يقولُ: ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦)[الحجر: ٢٦]. قال: مُنْتِنٍ. ثم قال للملائكةِ: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٧٢)[ص: ٧١، ٧٢]. فخلَقه اللهُ بيدَيْه، لكَيْلا يَتكبَّرَ إبليسُ عنه ليقولَ له: تتكبَّرُ عما عمِلْتُ بيديَّ، ولم أتكبَّرْ أنا عنه؟ فخلَقه بشرًا، فكان جسدًا من طينٍ أربعين سنةً مِن مقدارِ يومِ الجمعةِ، فمرَّت به الملائكةُ، ففزِعوا منه لمَّا رأَوْه، وكان أشدَّهم منه فزَعًا إبليسُ، فكان يمرُّ به فيضرِبُه، فيُصَوِّتُ الجسدُ كما يُصَوِّتُ الفَخَّارُ، وتَكُونُ له صَلْصَلةٌ، فذلك حينَ يقولُ: ﴿مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤)[الرحمن: ١٤]. ويقولُ: لأمرٍ ما خُلِقْتَ. ودخَل مِن (١) فِيه فخرَج مِن دُبُرِه. فقال للملائكةِ: لا تَرْهَبوا مِن هذا، فإن ربَّكم صَمَدٌ وهذا أجوفُ،


(١) سقط من: الأصل، م.