للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن مجاهدٍ: ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾. قال: قولُ قريشٍ. يَعْنى: إِنَّ اللهَ حَرَّم هذه البَحيرةَ والسائبةَ (١).

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾: قولُ قريشٍ بغيرِ يقينٍ: إن اللهَ حرَّم هذه (٢) البحيرة والسائبةَ.

فإن قال قائلٌ: وما بُرهانُك على أن اللهَ تعالى إنما كذَّب مِن قِيلِ هؤلاء المشركين قولَهم: رضِى اللهُ منا عبادة الأوثانِ، وأراد منا تحريمَ ما حرَّمْنا من الحُروثِ والأنعامِ. دونَ أن يكونَ تكذيبُه إياهم كان على قولِهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾. وعلى وصفِهم إياه بأنه قد شاء شِرْكَهم وشركَ آبائِهم وتحريمَهم ما كانوا يُحَرِّمون؟

قيل له: الدلالةُ على ذلك قولُه: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. فأَخْبَر جلَّ ثناؤُه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبِهم نبيَّهم محمدًا فيما أتاهم به مِن عندِ اللهِ -من النهي عن عبادة شيءٍ غيرِ اللهِ تعالى، وتحريمِ غيرِ ما حرَّم اللهُ في كتابِه وعلى لسانِ رسولِه- مَسْلَكَ سُلَّافِهم (٣) مِن الأممِ الخاليةِ المكذِّبةِ اللهَ ورسولَه. والتكذيبُ منهم إنما كان لِمُكَذَّبٍ (٤)، ولو كان ذلك خبرًا مِنَ اللهِ عن كَذِبِهم في قيلِهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾. لَقال: (كذلك كذَب الذين مِن قبلِهم). بتخفيفِ الذالِ، وكان يَنْسِبُهم فى قيلِهم ذلك إلى الكذبِ على اللهِ لا إلى التكذيبِ. مع عللٍ كثيرةٍ يَطولُ بذِكْرِها الكتابُ، وفيما ذكَرْنا


(١) تفسير مجاهد، ص ٣٣٠.
(٢) في ص، س، ف: "هذا".
(٣) في م: "أسلافهم".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "لكذب".