للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. وقد كانت الملائكةُ علِمتْ مِن علمِ اللهِ أنه لا ذنبَ أعَظمَ عندَ اللهِ مِن سَفْكِ الدماءِ، ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. فلما أخَذ في خلقِ آدمَ همَستِ الملائكةُ فيما بينَها، فقالوا: ليخْلُقْ ربُّنا ما شاء أن يَخْلُقَ، فلم يَخْلُقَ خَلقًا إلا كنّا أعلمَ منه، وأكرمَ عليه منه. فلمّا خلَقه ونفَخ فيه مِن روحِه، أمَرهم أن يَسجدوا له لِمَا قالوا، ففضَّله عليهم، فعلِموا أنهم ليسوا بخيرٍ منه، فقالوا: إن لم نَكنْ خيرًا منه، فنحن أعلمُ منه؛ لأنا كنا قبلَه، وخُلِقتِ الأممُ قبلَه. فلما أُعْجِبوا بعلمِهم ابْتُلُوا، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنى لا أَخْلُقُ خلقًا إلا كنتم أعلمَ منه، فأَخْبروني بأسماءِ هؤلاء إنْ كنتم صادقينَ. قال: ففزِع القومُ إلى التوبةِ - وإليها يَفْزَعُ كلُّ مؤمنٍ - فقالوا: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾. لقولِهم: لِيَخْلُقْ ربُّنا ما شَاء، فلن يَخْلُقَ خلقًا أكرمَ عليه منا، ولا أعلمَ منا. قال: علَّمه اسمَ كلِّ شيْءٍ؛ هذه الخَيْلُ (١)، وهذه البِغالُ، والإبلُ، والجنُّ، والوحشُ، وجعَل يُسمى كلَّ شيْءٍ باسمِه، وعُرِضَت عليه أمَّةً أمَّةً: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾. قال: أما ما أبْدَوْا فقولُهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. وأمَّا ما كتَموا فقولُ بعضِهم لبعضٍ: نحن خيرٌ منه وأعلمُ (٢).


(١) في م، ت ١، ت ٢: "الجبال".
(٢) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٩٨، ١٠١، ١٠٣ بتمامه. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٧٧ =