للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منَّا. فابْتُلوا بخلقِ آدمَ - وكلُّ خلقٍ مُبْتلًى -كما ابْتُلِيَتِ السماواتُ والأرضُ بالطاعةِ، فقال اللهُ: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (١) [فصلت: ١١].

وهذا الخبرُ عن قتادةَ يَدُلُّ على أن قتادةَ كان يرَى أن الملائكةَ قالت ما قالت مِن قولِها: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. على غير (٢) يقينِ علمٍ تقَدَّم منها بأن ذلك كائنٌ، ولكن على الرأيِ منها والظنِّ، وأن اللهَ جلَّ ثناؤُه أنكَر ذلك مِن قيلِها، وردَّ عليها ما رأَت بقولِه: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. مِن أنه يكونُ مِن ذريةِ ذلك الخليفةِ الأنبياءُ والرسلُ والمُجْتَهِدُ في طاعةِ اللهِ.

وقد رُوِي عن قتادةَ خلافُ هذا التأويلِ، وهو ما حدَّثنا به الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرَنا عبدُ الرزَّاقِ، قال: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾. قال: كان اللهُ أعلمَهم (٣) إذا كان في الأرضِ خلقٌ أَفْسَدوا فيها، وسفَكوا الدماءَ، فذلك قولُه: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ (٤).

وبمثلِ قول قتادةَ قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويل، منهم الحسنُ البصريُّ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: حدَّثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حجاجٌ، عن جريرِ بنِ حازمٍ ومبارَكٍ، عن الحسنِ، وأبي بكرٍ، عن الحسنِ وقتادةَ، قالا: قال اللهُ لملائكتِه: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾. قال لهم: إني فاعلٌ. فعرَضُوا برأيِهم، فعلَّمهم علمًا، وطوَى عنهم علمًا علِمه لا يَعْلَمونه، فقالوا بالعلم الذي علَّمهم: ﴿أَتَجْعَلُ


(١) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ١٠٠، ١٠١. وأخرجه ابن عساكر في تاريخه ٧/ ٣٩٩ من طريق شيبان، عن قتادة، نحوه. وينظر ما سيأتي في ص ٥١٠.
(٢) من هنا إلى قوله: "قال: علمه اسم". ص ٤٩٣ سقط من المخطوط الأصل.
(٣) بعده في ص، ر: "أنَّه"، وينظر تفسير ابن كثير ١/ ١٠٢.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٧٨ (٣٢٥) عن الحسن بن يحيى به.