للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَائِلُونَ﴾؟ وهل هَلَكَت قريةٌ إلا بمجيءِ بأسِ اللَّهِ وحلولِ نِقْمَتِه وسَخَطِه بها (١)؟ فكيف قيل: ﴿أَهْلَكْنَهَا فَجَاءَهَا﴾؟ وإن كان مجئُ بأسِ اللَّهِ إياها بعدَ هلاكِها، فما وجهُ مجئِ ذلك قومًا قد هَلكوا وبادُوا، ولا يشعُرون بما ينزِلُ بهم ولا بمساكنِهم؟

قيل: إن لذلك مِن التأويلِ وجهين، كلاهما صحيحٌ واضحٌ منهجُه؛ أحدُهما، أن يكونَ معناه: وكم من قريةٍ أهلكْناها بخِذْلانِنا إياها عن اتباعِ ما أنزلنا إليها مِن البيناتِ والهُدى، واختيارِها اتباعَ أمرِ أوليائِها المُغْوِيَتِها (٢) عن طاعةِ ربَّها، فجاءَها بأْسُنا إذ فَعَلَت ذلك بياتًا أو هم قائِلُون. فيكونُ إهلاكُ اللَّهِ إياها خذلانَه لها عن طاعتِه، ويكونُ مجئُ بأسِ اللَّهِ إياهم جزاءً لمعصيتِهم ربَّهم بخِذْلانِه إياهم. والآخرُ منهما، أن يكونَ الإهلاكُ هو البأسَ بعينِه، فيكونُ في ذكرِ الإهلاكِ الدلالُة على ذكرِ مجئِ البأسِ، وفى ذكرِ مجئِ البأسِ الدلالُة على ذكرِ الإهلاكِ. وإذا كان ذلك كذلك، كان سواءً عندَ العربِ بُدِئَ بالإهلاكِ ثم عُطِفَ عليه بالبأسِ، أو بُدِئَ بالبأسِ ثم عُطِفَ عليه بالإهلاكِ، وذلك كقولِهم: زُرتنى فأكرمتَنى. إذا كانت الزيارةُ هي الكرامةَ، فسواءٌ عندَهم قَدَّمَ الزيارةَ وأخَّر الكرامةَ، أو قَدَّمَ الكرامةَ وأخَّر الزيارةَ، فقال: أكرمتَنى فزُرْتَني.

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ (٣) يزعُمُ أن في الكلامِ محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلامُ صحيحًا، وأن معنى ذلك: وكم مِن قريةٍ أهْلكناها، فكان مجئُ بأسِنا إياها قبلَ إهلاكِناها (٤).


(١) بعده في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "قال كذلك".
(٢) في م: "المغويها".
(٣) هو الفراء في معاني القرآن ١/ ٣٧١.
(٤) في م: "إهلاكنا".