للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال لي عمرُو بنُ دينارٍ قولَه: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾. قال: إنا نرى ميزانًا وكِفَّتَين، سمِعتُ عبيدَ بنَ عميرٍ يقولُ: يُجْعَلُ الرجلُ العظيمُ الطويلُ في الميزانِ، ثم لا يقومُ بجناحِ ذبابٍ.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ من القولِ في ذلك عندى القولُ الذي ذكرْناه عن عمرِو بن دينارٍ، من أن ذلك هو الميزانُ المعروفُ الذي يُوزَنُ به، وأَن الله جلّ ثناؤه يزِنُ أعمالَ خلقِه الحسناتِ منها والسيئاتِ، كما قال جلّ ثناؤُه: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾: موازينُ عملِه الصالحِ، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. يقولُ: فأولئك هم الذين ظَفِروا بالنجاحِ، وأدْرَكوا الفوزَ بالطَّلِباتِ، والخلودَ والبقاءَ في الجناتِ؛ لتظاهرِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ Object بقولِه: "ما وُضِعَ في الميزانِ شيءٌ أثقلُ مِن حسنِ الخلقِ" (١). ونحوِ ذلك الأخبارِ التي تُحقِّقُ أن ذلك ميزانٌ توزنُ به الأعمالُ على ما وصفْتُ.

فإن أنكر ذلك جاهلٌ بتَوْجيهِ معنى خبرِ اللهِ عن الميزانِ وخبرِ رسولِه Object عنه، وِجْهَتَه، وقال: أو باللهِ حاجةٌ إلى وزنِ الأشياءِ وهو العالمُ بمقدارِ كلِّ شيءٍ قبلَ خلقِه إياه وبعدَه وفى كلِّ حالٍ؟ أو قال: وكيف توزنُ الأعمالُ، والأعمالُ ليست بأجسامٍ توصفُ بالثِّقَلِ والخِفَّةِ، وإنما توزنُ الأشياءُ ليُعْرَفَ ثِقَلُهَا مِن خِفَّتِها، وكثرتُها مِن قلتِها، وذلك لا يجوزُ إلا على الأشياءِ التي توصفُ بالثقلِ والخفةِ، والكثرةِ والقلةِ؟

قيل له في قولِه: وما وجهُ وزنِ اللهِ الأعمالَ وهو العالمُ بمقاديرِها قبلَ كونِها؟ [قيل: وَزْنُه] (٢) ذلك نظيرُ إثباتِه إياه في أمِّ الكتابِ واستِنساخُه ذلك في


(١) أخرجه أحمد ٦/ ٤٤٦، ٤٤٨ (الميمنية)، وأبو داود (٤٨٩٩)، والترمذي (٢٠٠٢)، وابن حبان (٤٨١) من حديث أبي الدرداء.
(٢) في م: "وزن".