للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكتابِ، من غيرِ حاجةٍ به إليه، ومن غير خوفٍ من نسيانِه، وهو العالمُ بكلِّ ذلك في كلِّ حالٍ ووقتٍ، قبلَ كونِه وبعدَ وجودِه، بل ليكونَ ذلك حجةً على خلقِه، كما قال جلّ ثناؤُه في تنزيلِه: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ الآية [الحائية: ٢٨، ٢٩]. فكذلك وزنُه تعالى أعمالَ خلقِه بالميزانِ؛ حجةً عليهم ولهم، إما بالتقصيرِ في طاعتِه والتضييعِ، وإما بالتكميلِ والتتميمِ.

وأمَّا وجهُ جوازِ ذلك، فإنه كما حدَّثني موسى بنُ عبدِ الرحمنِ المسروقيُّ، قال: ثنا جعفرُ بنُ عونٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ زيادٍ الإفريقيُّ، عن عبدِ اللهِ بن يزيدَ، عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو (١)، قال: يُؤتَى بالرجلِ يومَ القيامةِ إلى الميزانِ، فيُوضَعُ في الكفَّةِ، فيُخرجُ له تسعةٌ وتسعون سِجلًّا فيها خطاياه وذنوبُه. قال: ثم يُخرجُ له كتابٌ مثلُ الأُنْمُلةِ، فيها شهادةُ ألا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه . قال: فتُوضعُ في الكِفَّةِ، فتَرْجَحُ بخطاياه وذنوبِه (٢).

فكذلك وزنُ اللهِ أعمال خلقِه، بأن يُوضعَ العبدُ وكتبُ حسناتِه في كِفةٍ مِن كفتى الميزانِ، وكتبُ سيئاتِه في الكِفةِ الأخرى، ويُحْدِثُ اللهُ ثقلًا وخفةً في الكِفةِ التي الموزونُ بها أَوْلى؛ احتجاجًا مِن اللهِ بذلك على خلقِه، كفعلِه بكثيرٍ منهم، من اسْتنطاقِ أيدِيهم وأرجلِهم، استشهادًا بذلك عليهم، وما أشبهَ ذلك مِن حُجَجِه.

ويُسألُ مَن أنكَر ذلك، فيقالُ له: إن الله أخبرَنا تعالى ذكرُه أنه يُثَقِّلُ موازينَ


(١) في م: "عمر".
(٢) أخرجه عبد بن حميد (٣٣٩) من طريق عبد الرحمن بن زياد به، وأخرجه أحمد ١١/ ٥٧٠، ٥٧١ (٦٩٩٤)، وابن ماجه (٤٣٠٠)، والترمذى (٢٦٣٩)، وابن حبان (٢٢٥)، والحاكم ١/ ٦، والبيهقي في الشعب (٢٨٣)، والبغوى (٤٣٢١) من طريق عبد الله بن يزيد أبي عبد الرحمن الحبلى به.