للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُعَلِّمْنا فأنت أعْلَمُ به، فكان ما سمَّى آدمُ مِن شيْءٍ، كان إسمَه الذي هو عليه إلى يومِ القيامةِ (١).

وقال ابنُ جُرَيْجٍ بما حدَّثنا به القاسمُ، قال: حدَّثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حَجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: إنما تكَلَّموا بما أعْلَمَهم أنه كائنٌ مِن خلقِ آدمَ، فقالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ (٢).

وقال بعضُهم: إنما قالتِ الملائكةُ ما قالت: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. لأن الله تعالى ذكرُه أذِن لها في السؤالِ عن ذلك بعد ما أخْبَرَها أن ذلك كائنٌ مِن بني آدمَ، فسألَتْه الملائكةُ، فقالت على التعجبِ منها: وكيف يَعْصُونك يا ربِّ وأنتَ خالقُهم؟ فأجابهم ربُّهم: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

يعني أن ذلك كائنٌ منهم وإن لم تَعْلَموه أنتم، ومِن بعضِ مَن تَرَوْنه لي طائعًا، يُعَرِّفُهم بذلك قُصورَ علمِهم عن علمِه.

وقال بعضُ أهلِ العربيةِ: قولُ الملائكةِ: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾. على غيرِ وجهِ الإنكارِ منهم على ربِّهم، وإنما سأَلوه ليعْلَموا، وأخْبَروا عن أنفسِهم أنهم يُسَبِّحون. وقال: قالوا ذلك لأنهم كرِهوا أن يُعْصَى اللهُ؛ لأن الجنَّ قد كانت أُمِرَتْ قبلَ ذلك فعَصَتْ.

وقال بعضُهم: ذلك مِن الملائكةِ على وجهِ الاسْتِرْشادِ عما لم يَعْلَموا مِن ذلك، فكأنهم قالوا: ياربِّ خَبِّرْنا. مسألةَ اسْتِخْبارٍ منهم للهِ، لا على وجهِ مسألةِ التوبيخِ. قال أبو جعفرٍ: وأولَى هذه التأويلاتِ بقولِ اللهِ تعالى ذكرُه مُخْبِرًا عن ملائكتِه


(١) أخرج المصنف بعضه في تاريخه ١/ ٩٣، ٩٥، ١٠٤، وتقدم طرف منه في ص ٤٧٧.
(٢) ينظر تفسير ابن كثير ١/ ١٠٢.