للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيلَها له: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾. تأويلُ مَن قال: إن ذلك منها اسْتِخْبارٌ لربِّها، بمعنى: أعْلِمْنا ياربَّنا، أجاعلٌ أنت في الأرضِ مَن هذه صفتُه، وتاركٌ أن تجْعَلَ [خليفتَك فيها] (١) منا، ونحن نُسَبِّحُ بحمدِك ونُقَدِّسُ لك. لا إنكارًا منها لِما أعْلَمَها ربُّها أنه فاعلٌ، وإن كانت قد استَعظَمَتْ لمَّا أُخبِرَت بذلك أن يكونَ للهِ خلقٌ يَعْصِيه.

وأما دَعْوى مَن زعَم أن اللهَ كان أذِن لها بالسؤالِ عن ذلك، فسأَلَتْ على وجهِ التعجبِ، فدَعْوى لا دَلالةَ عليها في ظاهرِ التنزيلِ، ولا خبرَ بها عن (٢) الحُجَّةِ يَقْطَعُ العُذْرَ، وغيرُ جائزٍ أن يُقالَ في تأويلِ كتابِ اللهِ بما لا دَلالةَ عليه مِن بعضِ الوجوهِ التي تَقومُ بها الحُجَّةُ.

وأما وصفُ الملائكةِ مَن وصَفَت - في استخبارِها ربَّها عنه - بالفسادِ في الأرضِ وسفْكِ الدماءِ، فغيرُ مُسْتحيلٍ فيه (٣) ما رُوِي عن ابن عباسٍ وابنِ مسعودٍ مِن القولِ الذي رواه السديُّ، ووافَقَهما عليه قَتادةُ مِن التأويلِ، وهو أن يكونَ اللهُ تعالى ذكرُه أخبَرهم أنه جاعلٌ في الأرضِ خليفةً تكونُ له ذريةٌ يفعَلون كذا وكذا، فقالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾. على ما وصَفتُ من الاستخبارِ.

فإن قال لنا قائلٌ: وما وجهُ اسْتِخْبارِها، والأمرُ على ما وصَفْتَ مِن أنها قد أُخْبرَت أن ذلك كائنٌ؟

قيل: وجهُ اسْتِخْبارِها حينَئذٍ يكونُ عن حالِهم عندَ (٤) وقوعِ ذلك، وهل


(١) في ص، ر، م، ت ١، ت ٢: "خلفاءك".
(٢) في م: "من".
(٣) في ص: "منه".
(٤) في ر، م: "عن".