للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)﴾.

وهذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه عن قيلِه لإبليسَ إذ عصاه فلم يسجُدْ لآدمَ إذ أمَره بالسجودِ له. يقولُ: ﴿قَالَ﴾ اللهُ لإبليسَ: ﴿مَا مَنَعَكَ﴾: أيُّ شيءٍ منَعك ﴿أَلَّا تَسْجُدَ﴾: أن تدعَ السجودَ لآدم، ﴿إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ أَن تسجُدَ له (١)؟ ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ﴾. يقولُ: قال إبليسُ: أنا خيرٌ [منه. يَعْنى: مِن آدمَ] (٢)، ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾.

فإن قال قائلٌ: فأخبِرْنا عن إبليسَ، أَلَحِقَتْه المَلامةُ على السجودِ أم على تركِ السجودِ؟ فإن تكنْ لِحقَته المَلامةُ على تركِ السجودِ، فكيف قيل له: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾؟ [والنَّكِيرُ إذا كان على تركِ السجودِ فإنَّما يقالُ: ما منَعَك أن تسجدَ. وإن كان النكيرُ على السجودِ] (٣)، فذلك خلافُ ما جاء به التنزيلُ في سائرِ القرآنِ، وخلافُ ما يعرِفُه المسلمون؟

قيل: إن الملامةَ لم تلحَقْ إبليسَ إلا على معصيتِه ربَّه بتركِه السجودَ لآدمَ إذ أمَره بالسجودِ له، غيرَ أن في تأويلِ قولِه: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾. بينَ أهلِ المعرفةِ بكلامِ العربِ اختلافًا، أبدأُ بذكرِ ما قالوا، ثم أذكُرُ الذي هو أولى ذلك بالصوابِ.

فقال بعضُ نحويى البصرةِ: معنى ذلك: ما مَنَعك أن تسجُدَ. و "لا" ههنا زائدةٌ، كما قال الشاعرُ (٤):


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س ف: "منه من آدم"، وفى م: "من آدم".
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.
(٤) البيت غير منسوب في المحكم لابن سيده ٢/ ١٤٤، وأمالي ابن الشجرى ٢٢٨، ٢٣١، واللسان (ن ع م)، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٦٣٤.