للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّاجِدِينَ﴾. أن ذلك معنى الكلامِ، من ذكره، ثم عَمِلَ قولُه: ﴿مَا مَنَعَكَ﴾. في "أنْ" ما كان عاملًا فيه قبلَ "أحْوجَك" لو ظَهَر، إذ كان قد نابَ عنه.

وإنما قلنا: هذا القولُ أولى بالصوابِ؛ لِما قد مَضَى مِن دلالتِنا قبلُ على أنه غيرُ جائزٍ أن يكونَ في كتابِ اللهِ شيءٌ لا معنَى له، وأن لكلِّ كلمةٍ معنًى صحيحًا، فبَيِّنٌ (١) بذلك فسادُ قولِ مَن قال: "لا" في الكلامِ حشوٌ لا معنَى لها.

وأما قولُ مَن قال: معنى المنعِ ههنا القولُ، فلذلك دخلَت "لا" مع "أن". فإن المنعَ وإن كان قد يكونُ قولًا وفعلًا، فليس المعروفَ في الناسِ استعمالُ المنعِ في الأمرِ بتركِ شيءٍ؛ لأن المأمورَ بتركِ الفعلِ إذا كان قادرًا على فعلِه وتركِه، ففعَلَه، لا يقالُ: فَعَله وهو ممنوعٌ مِن فعلِه. إلا على اسْتكراهٍ للكلامِ. وذلك أن المنعَ من الفعلِ حَوْلٌ بينَه وبينَه، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ وهو مَحُولٌ بينَه وبينه فاعلًا له؛ لأنه إن جازَ ذلك وَجَب أن يكونَ محولًا بينَه وبينَه، لا مَحولًا، وممنوعًا لا ممنوعًا.

وبعدُ، فإن إبليسَ لم يأتمِرْ لأمرِ اللهِ بالسجودِ لآدمَ كِبْرًا، فكيف كان يأتمرُ لغيرِه في تركِ أمرِ اللهِ وطاعتِه بتركِه السجودَ لآدمَ، فيجوزَ أن يقالَ له: أيُّ شيءٍ قال لك: لا تسجُدْ لآدمَ إذ أمرتُك بالسجودِ له (٢)؟ ولكن معناه إن شاء اللهُ ما قلتُ: ما منَعَك من السجودِ له فأحْوجَك، أو: فأخْرجك، أو: فاضْطرَّك إلى ألا تسجُدَ له. على ما بَيَّنتُ.

[وأمّا قولُه] (٣): ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. فإنه (٤) خبرٌ مِن


(١) في م: "فتبين".
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) في الأصل: "القول في تأويل قوله ﷿: قال".
(٤) في الأصل: "وهذا".